قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.. صدق الله العظيم.
منذ أن سمعت بخبر استشهادك كنت أكتب كل يوم مقالة، ثم لا أستطيع أن أكملها وصار قلمي كقارب صغير تتلاطمه الأمواج المرتفعة، وكل موج يعبث بهذا القارب الصغير إلى أن يرسو في جزيرة، وكنت تائهاً لا أستطيع أن أحدد مشاعري، وأخذت هذه الأمواج تتصارع فيما بينها، وكل موجة تسير هذا القارب نحوها، فحاولت أن أكون رباناً ماهراً، وأتحكم بهذا القارب، وأن أعبر ما بداخلي دون أن ألتفت إلى طول الأمواج وقوتها، ولكنني فشلت!!!!
نعم فشلت.. فكانت كل موجة لها مبرراتها لكي تجذب قارب التعبير نحوها، فقررت أن أترك هذا القارب يسير ويرسو في أي اتجاه، وكان الاتجاه الأول هو جزيرة فيها الفخر والاعتزاز.
نعم، فإن الأمواج كانت هي المشاعر التي بداخلي التي أخذت تتلاطم بكل قوة، وإن هذه الأمواج، وإن كانت متعاكسة المشاعر، فإنها في النهاية تؤدي إلى شعور مختلط يصعب فيه أن يعبر الإنسان عما في داخله.. أخي وصديقي «العقيد الدكتور - حسن»، فإنه منذ أن سمعنا بخبر استشهادك حزنا حزناً لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى، لأن الفراق صعب وصعب جداً، ولكن كان الفرح لك بالشهادة التي أرجو الله أن يقبلك عنده شهيداً.
أخي بين موجة الحزن والفرح والاعتزاز والفخر عجزت عن التعبير، فاجتمعت المتناقضات في شعورنا، منذ أن سمعنا خبر استشهادك، فإنه الحزن ويعاكسه الفرح، وإنه الفراق ويعاكسه الحياة الأبدية في جنة الخلد - إن شاء الله -.
أخي وزميلي: لقد عرفناك منذ أن كنا طلبة في «كلية الملك فهد الأمنية»، وعرفنا عنك كل طيبة واحترام لزملائك وحبك وتفانيك كان مزروعاً فيك منذ أن كنت طالباً يافعاً بالعمر.
وإن كان الإنسان ابن بيئته كما يقول علماء الاجتماع، فنعم أنت يا دكتور أكدت هذه النظرية، فقد كنت شامخاً كجبال جازان العنيدة الصامدة في وجه الأعداء، وكنت طيباً متسامحاً كطيبة أهل منطقتك الأجلاء، فلم نذكر يوماً أنك كنت قاسياً أو عنيداً إلا على الباطل.
لقد كنت قائداً شهماً شجاعاً أقدمت على الموت دون خوف ولا هلع، لقد أثبت بأن القائد الميداني هو من يعكس الشجاعة في قلوب المرؤوسين، فكنت في مقدمة الرجال الذين أخذوا على عاتقهم الدفاع عن الوطن.
حينما انتشر خبر استشهادك علّق أحد الزملاء بمقولة تحت صورتك فقال: «أسد جازان» فليسمح لي الزميل العزيز باستخدام عبارته.
فقد كنت أسداً لا يهاب الموت.. كنت في مقدمة الركب لا في آخره.
ماذا نقول؟ فما زلت حائراً ماذا أكتب عنك؟؟؟
إن من عرفك عن قُرب يقر ويشهد بأن الرجولة والشجاعة فيك يا أسد جازان كانت مغروسة ومترعرعة في عقلك وأطرافك، إن من عرف عنك السكينة والهدوء في التعامل يكون على يقين بأن للشجاعة والإقدام وجهاً آخر لا يستعمله الشجعان إلا عند وقته وليس للتفاخر والتطاول.
«يا أسد جازان».. هل نعزي فيك أم لا!!!!!!
طبعاً.. لا، لأننا نحن من يقبل العزاء فيك، نحن زملاءك من الدورة السادسة والأربعين من خريجي «كلية الملك فهد الأمنية».. والذين قضينا معك سنوات الكلية الثلاث كنت أخاً لنا جميعاً.. إن من يقرأ كلامي يعتقد بأن العاطفة هي التي تحكم القلم للكتابة.
ولكن من يعرف «أسد جازان» يعرف أنني لم أتكلم ولا كلمة أكبر من حقه، بل إننى اختصرت الكثير والكثير عن سمات هذا الشخص الذي استطاع أن يكون محبوباً من كل زملائه.
لقد صدقت ما وعدت وما حلفت به «يا أسد جازان» بأنك حلفت على كتاب الله بالدفاع عن الوطن تحت كل سماء وفوق كل أرض، فأوفيت بحلفك على كتاب الله.
رسالتي إلى أبناء الشهيد:
لقد حزنا على فراق فقيدنا جميعاً، ولكنني ماذا أقول فقد ترك لكم إرثاً معنوياً يعجز عنه كثير من الرجال.
إن شهامة والدكم وشجاعته سوف تكون لكم نبراساً وتاجاً مضيئاً يكون على رأسكم طول العمر لا يستطيع أحد أن يشارككم على هذا الفخر، وتشتركون بهذا التاج مع أبناء الشهداء مثلكم.
شهداء ضحوا بكل غال ونفيس لأجل هذا الوطن، وأبناء الشهداء مثلكم هم الأبطال، لأنهم امتداد لأبطال أُريقت دماؤهم لأجل أن يكون هذا الوطن نعمة ينعم به كل أبنائه.
إن أباكم كان لنا الأخ والصديق والقريب، حتى لو أبعدته عنا المسافات ومشاغل الحياة، كان يعيش بداخلنا، كان كأخ عرفناه جيداً ونحبه كما تحبونه، فأنتم امتداد العز والشرف والشموخ.. رحم الله والدكم، وأسكنه فسيح جناته.
- العقيد الدكتور/ عبد الله بن صالح الحصان