فهد بن عبدالعزيز الحزيمي ">
على ما يبدو أن هناك شبه اتفاق على أن برنامج نطاقات الذي أطلقته وزارة العمل قد أخفق في تحقيق أهدافه المتمثلة في المساعدة على تحقيق النمو الاقتصادي، وتخفيض نسبة البطالة، ومن ثم زيادة الناتج المحلي للفرد؛ ليصبح المجتمع أكثر استقرارًا وذا قوة شرائية أكبر، وذلك حسب ما يفصح عنه دليل البرنامج. ولا يأتي حديثنا هذا على عواهنه، ولكنه يعتمد على ردود أفعال الأطراف المعنية بهذا البرنامج، والمتأثرة به، ومن خلال معايشة شخصية فعلية، ومتابعة دقيقة، علمًا بأن بعض الآثار السالبة لهذا البرنامج تناولته من خلال مقالات منشورة في الصحافتين الورقية والإلكترونية، وكنت من الذين بكروا في التنبيه إلى مآلاته وتأثيراته في سوق العمل.
واتخذت الوزارة في إطار هذا البرنامج عددًا من الإجراءات والقرارات التي فاقمت الآثار السلبية للبرنامج، مثل البرنامج الوطني لإعانة الباحثين عن العمل (حافز) الذي نفذته وزارة العمل، الذي أدى إلى تقاعس طالب العمل في البحث عن وظيفة، مكتفيًا بهذه الإعانة، وعزف كثيرون منهم من القبول بالوظائف التي تقل مرتباتها عن المرتبات الضخمة للشركات الكبرى، لتزداد البطالة، ولكن في شكل مقنع خادع، وأصبح السعوديون الباحثون عن العمل بضاعة مشاعة، يتم استغلالها للتجمل، وكسب رضا وزارة العمل، والتنافس على نطاقاتها، من أجل الفوز بمزيد من العمالة الأجنبية.
في تصوري الشخصي أن مشكلة سوق العمل، وتفاقم البطالة لا يمكن حلهما بتغييرات إجرائية أو تنظيمية بل ينبغي أن يكون هناك تغيير اقتصادي شامل بمشاركة جميع القطاعات، من أجل تحول اقتصادي أساسه الإنتاج الحقيقي.
ويمثل توظيف المواطنين وتخفيض البطالة إلى حدودها الدنيا أحد مظاهر هذا الاقتصاد المعافى، الذي يتسم في حركته بالحيوية، التي تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين، وفي منظومة التنمية، والقدرة التنافسية على المستوى العالمي.
ومثل هذا العمل الاقتصادي الممنهج لا يمكن تحميل وزارة العمل وحدها مسؤولياته، لأنه يحتاج إلى صورة كلية، وقرارات حازمة، وتقويم مستمر، مما يتطلب أن يكون بإشراف مباشر من المقام السامي، لأنه يمس مستقبل الوطن، ووضعه على خريطة الاقتصاد العالمي، في ظل عالم شديد التغير والتحول، ويمثل الاقتصاد عصبه، ومحركه الرئيس.
ومن هذا المنطلق أطرح فكرة إيجاد هيئة وطنية مستقلة للتوطين ترتبط بالمجلس الاقتصادي الأعلى الذي يعنى «بتطوير الهيكل التنظيمي والترتيب الإداري لمنهج تناول الشؤون والقضايا الاقتصادية، واتخاذ القرار نحوها من خلال أجهزة الدولة ومؤسساتها المختصة، وبناء على منهج الدراسة والتحليل وبما يحقق التنسيق بين الأجهزة الحكومية والترابط والتكامل بين أعمالها، ويستجيب لمتطلبات سرعة القرار في الشؤون والقضايا الاقتصادية وكفاءته».
وهذا الارتباط المقترح يأتي في سياق هذه المهمة الاقتصادية ذات الأبعاد الخطيرة، ولضمان سرعة اتخاذ القرار، وقياس أثره بأسلوب علمي، وبما يتناسب مع آثاره في استقرار الوطن، وتحقيق مصالحه العليا.
وتعتمد هذه الهيئة في عملها على وضع قاعدة بيانات حقيقية توضح حجم البطالة الحالي والمتوقع، ومن ثم دراسة أسبابه من الجذور، وتلمس سبل خفضه، حتى بلوغ مرحلة التخلص من هذا الصداع الذي يهدد مستقبل الأجيال.