د. محمد بن فهد بن عبد العزيز الفريح ">
بيّض الله وجوهكم يوم القيامة على ما قدمتموه للحجاج، وجزاكم الله خيراً على كل لحظة قضيتموها في خدمة ضيوف الرحمن، وأسبل عليكم ألطافه، ووالى عليكم نعمه، وتولاكم في الدنيا والأخرى.
حقيقة أني ما مررتُ بجوار رجل أمن أثناء الحج أياً كانت رتبته، أو مرجعه الوظيفي إلا شعرتُ بفضلهم، ودعوتُ الله لهم، وبادرت بالسلام عليهم وتشجيعهم.
كم رأيتُ العرق يتصبب من جباههم، وكم رأيت الجهد بلغ منهم مبلغه، وكم نظرت إلى حاج يقصدهم ليرشدوه، ومن تائه ليعينوه، ومن عاجز ليحملوه.
كنتُ أغسل يدي من تناول الغداء بعرفة فإذا رجل بجانبي يقول لي: انظر ويشير برأسه إلى مكان مرتفع عن الخيام، فرفعتُ رأسي فإذا برجل من إحدى القطاعات العسكرية يراقب على أرتفاع أمتار قد تناولت الشمس من جسده ما تناولت، وهو على هذه الحالة لمدة ساعات، فدعوت الله له، وقلت للرجل الذي أشار لمكانه: لله دره ما أعظم أجره إن قصد الله والدار الآخرة.
توجه الحجيج إلى مزدلفة فلم يغب عن ذهني ذلك الطفل الذي فقد أهله فيها، ورجل الأمن واقف معه، ممسك بيده كأنه والده، يقلب ناظره يمنة ويسرة يبحث مع الطفل عن والديه، فقلت له: أهذا الطفل ضائع؟ فقال: نعم، فقلت: أعانكم الله، أعانكم الله، أعانكم الله.
تركته متأملاً حاله: من الصباح لم ينم، ثم تأتيه هذه الأمانة العظيمة ليحملها متى سيجد الطفل أهله بين هؤلاء البشر الذين هم مد النظر.
أعانكم الله، أعانكم الله، يا رجال أمننا، وحرس ضيوفنا، ورحمكم، وغفر لكم .
قصدتُ البيت الحرام يوم العيد فإذا بعض الحجيج متجمهرون عند أحد الأبواب يطلبون من الجند الذين هناك أن يسمحوا لهم بالمرور، فسمعت الجندي يقول لهم بعبارة هي غاية في اللطف: يا تاج راسي يا حاج الدخول مع الباب الآخر.
كم رأيت من رجل أمن قد أعياه التعب قد جلس على الأرض لانتهاء فترته لا يلوي على شيء إلا طلب السكينة والراحة قليلا ليعود مرة أخرى للعمل الشاق.
من منا سيصبر على الأقل ست ساعات في مكان واحد الشمس فوقه، والبشر عن يمينه وشماله وأمامه وخلفه، يوجه هذا، ويرشد هذا.
إنه حقيقة جهد عظيم، وعمل كبير، كان الله للجميع.
ولا ينقضي عجبي من أوباش قد ظهر بعض نتنهم ينتقصون الجهود المبذولة، ويهدرون الأعمال الجليلة، وينسون الطاقات الكبيرة التي قُدِّمت لضيوف الرحمن فتجدهم يجعلون التقصير هو الأصل، والخطأ هو الغالب، والنقص هو السائد، في خبث ظاهر، ولؤم واضح، كأنهم لم يروا خيراً قط، ويزداد العجب أن يكون بعضهم من أبناء جلدتنا وممن يتكلمون بألسنتنا!
وهم في الحقيقة يضخمون الأخطاء، ويظهرون القبيح، لا تجدهم يشكرون دولة التوحيد والسنة على جهودها المبذولة - وهي لا تنتظر شكرهم- ولا يدعون لها بالسداد والتوفيق، وما أن تعتب عليهم إلا اعتذروا بأن: النقد مطلوب!
لا شك أن النقد الهادف مطلوب، وكذلك الإشادة بالجهود المبذولة مطلوب، والله أمر بالعدل.
فهل من العدل والنقد الهادف : إهدار عمل أكثر من آلاف الرجال من عسكريين وصحيين وأطباء وغيرهم؟
والله محيط بالنيات، وعالم بالخفيات.
وعوداً على بدء شكر الرحمن لكم جهدكم المبذول يا أيها الرجال الكرام من جميع القطاعات على خدمتكم لحجاج البيت الحرام، ولا تلتفتوا لأولئك الأوغاش، الجاحدين للفضل، الناكرين للجميل، الغارقين في الحقد فهم قد ضاق بهم عملكم ونجاحكم.
وهم كما قال الأول:
إِن يَعْلَمُوا الْخَيْرَ يُخْفُوهُ وإِن عَلِمُوا
شَرّاً أَذَاعُوا وَإِنْ لَمْ يَعْلموا كَذَبُوا
فلا مكان لهم ولا اعتبار، فواصلوا بذْلكم، وارتقوا بعطائكم بارك الله لكم في أعمالكم وأعماركم، وأصلح نياتكم وذرياتكم، وبارك الله لخادم الحرمين الشريفين في عمره وعمله وأمده بالقوة على كل خير، وولي عهده، وولي ولي عهده، والقائمين على أعمال الحجيج من جميع القطاعات.
حفظ الله على بلادنا إيمانها وأمنها وجميع بلاد المسلمين.
- عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء