ضعف الوازع الديني أسهم في قذف الناس والنيل منهم في وسائل التواصل الاجتماعي ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تزايدت حالات القذف للبشر من بعض ضعاف النفوس في وسائل التواصل الاجتماعي تارة بأسماء صريحة، وتارة أخرى بأسماء وهمية مستعارة.
على الرغم من نهي الإسلام من الخوض في أعراض الناس، وهتك حرماتهم وتجاوزهم لخصوصياتهم، واتهام بالباطل لهم.
«الجزيرة» ناقشت القضية مع عدد من الخبراء والمتخصصين الذين طالبوا بمواجهة السلبيات بمواقع التواصل الاجتماعي، وأهمية وضع ضوابط للتصدّي لاستغلال البعض شبكات التواصل لبث سمومهم وأحقادهم والنيل من الآخرين.
وأكدوا أن بعض الاستخدامات لمواقع التواصل الاجتماعي خرجت واستباحت الحقوق الشخصية للناس، والتّعدّي على خصوصياتهم ممّا انعكست على المجتمع وأصبحت السلبيات أكثر من الإيجابيات جرّاء التصرفات السيئة.
ضعاف النفوس
بدايةً يقول د. فواز بن خلف اللويحق أستاذ القانون الجنائي المساعد ووكيل كلية الحقوق بجامعة طيبة: إن المجتمع يعيش اليوم ثورة تقنية وانتشاراً سريعاً لوسائل التواصل الاجتماعي حتى شملت كل فئات المجتمع العمرية، ولا يمكن إغفال دورها الإيجابي وعظيم فوائدها في أمور كثيرة ليس المجال مجال ذكرها؛ لكنها في نفس الوقت سهلت على أصحاب النفوس المريضة وفتحت لهم قنوات جديدة لنشر جرائمهم والتعدي على الآخرين، وأسهمت في نشر الإشاعات والمعلومات المغلوطة التي ربما أنتجت قذفاً أو سباً أو تعدياً على حرمة إنسان أو تجاوز لخصوصيته المحمية شرعاً وقانوناً.
ونحن بكل تأكيد لا نعمّم ولا ندّعي دعوى عامة بفساد وهلاك المجتمع فمن قال هلك الناس فهو أهلكهم كما صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صحيح مسلم، لكن لا يمكن أن نغفل عن أن هناك مشكلة تتفاقم وتزداد ويصل ضررها إلى الفرد والمجتمع وهذا ملاحظ لا نستطيع إنكاره أو حجب شمس وضوحه بغربال ادعاء تزكية المجتمع، وإنما يجب أن نبحث في أسبابه وعلاجه إيماناً بدور كل واحد منا تجاه مجتمعه وحمايته.
وهذه الجرائم اللفظية التي يرتكبها ضعاف النفوس هي جرائم مختلفة في التصنيف العقابي؛ فالقذف أعلاها جرماً وأشدها سابقة لأنها جريمة حدية، وغيرها وإن لم تكن حدوداً مقدرة لكنها جرائم تعزيرية يُرجع في تحديدها وتقدير عقوبتها إلى سلطة ولي الأمر، وقد جاء المنظم بتقنين الاعتداءات اللفظية المتخذة من الشبكة العنكبوتية وسيلة لها ضمن تنظيم خاص في قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية، وارجع غيرها من جرائم السب والشتم والاعتداءات اللفظية ونحوها إلى سلطة ونظر القاضي.
فضول الناس
وبيّن د. فواز اللويحق أن لانتشار مثل هذه الجرائم أسباباً وعوامل متعددة لعل من أهمها توسع الناس في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة التعامل معها والوصول إليها، ومنها حب الناس وفضولهم للاطلاع على الفضائح والغرائب وتسابق البعض منهم إلى نشرها والتعليق عليها وربما حملت هذه التعليقات قذفاً أو سباً أو تعدياً على الحرمات والخصوصيات؛ قبل التثبت منها والتأكد من صحتها وقبل استشعار أن وراءها إنساناً هو في المبدأ القضائي متهم برئ حتى تثبت إدانته بما نسب إليه.
ومن العوامل كذلك ضعف وتراجع تأثير الوازع الديني لدى المجتمع، الذي كان في يوم من الأيام هو الحاجز الأول لمنع الكثير من الانتهاكات والتعديات والجرائم.
ومنها كذلك ظن البعض أنه بعيد عن عين الرقيب والمحاسب؛ فيظن أنه بانتهاكه وتعديه ورميه للآخرين بالقذف أو السب أو نحوها بأسماء مستعارة أنه بمنأى عن المعرفة والمحاسبة وأن أجهزة الدولة عاجزة عنه، وهذا غير صحيح بل يمكن تحديد هوية مستخدم المعرف وتحديد مكانه الذي انطلقت منه الإساءة أو الجريمة.
الموضوع يطول في هذا الجانب ومن المهم أن أذكر أهم الوسائل العلاجية للحد من انتشار مثل هذه الجرائم والسيطرة عليها وإن كنا لا نستطيع منعها بالكامل، ومن أهم هذه الوسائل:
- تكثيف برامج الوقاية ونشر الوعي بين أفراد المجتمع وخاصة طلاب المدارس والجامعات، بأهمية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في أبوابها الإيجابية، مع بيان خطورتها على الفرد والمجتمع إذا حادت عن ذلك، ونشر كذلك الوعي باحترام الرأي للآخرين والتفريق بين حرية الرأي والاعتداء على حرية الآخرين بدعوى الحرية، وهذا الأمر يجب أن تتكاتف فيه جميع مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات التعليمية والأمنية والاجتماعية.
- عدم التهاون في التبليغ عن مثل هؤلاء ورفع الدعاوى الجزائية ضدهم حتى لا يستسهلوا الأمر ويظنوا أن أعراض الناس وحرماتهم هي في نطاق حرية رأيهم، وقد كفلت الشريعة حق المتضرر بالتظلم ورفع الدعوى على كل من اعتدى عليه بأي وسيلة كانت، ونص نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية في المادة الثالثة على أنه (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تزيد عن خمسمائة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية الآتية : (4) المساس بالحياة الخاصة عن طريق اساءة استخدام الهواتف النقالة ... (5) التشهير بالآخرين وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة).
- يجب أن يعتبر عامل كثرة المتابعين لدى الفاعل وانتشار الجريمة ظرفاً مشدداً لإيقاع العقوبة في سقفها الأعلى، لأن مثل هذه الجرائم يختلف حجم ضررها باختلاف مدى انتشارها في أوساط المجتمع.
قديمة وحديثة
ويشير الدكتور عبدالرحمن بن عيد الجهني أستاذ الصحة النفسية المشارك بقسم علم النفس بجامعة الطائف أنّ ظاهرة القذف قديمة وحديثة، قديمة من حيث هي، وحديثة بالنسبة للطرق والأساليب التي تسلكها، وهي في اعتقادي لها أسباب عديدة ومعقدة تتداخل فيما بينها، فتارة تكون:
المبررات الشرعية والفهم الخاطئ للدين هو السبب بل والمحرض، ولعل فيما تفعله وتقوله الفئة الضالة أكبر مثال على مثل ذلك المبرر.
غياب الوازع الديني، وعدم تفعيل القيم الإنسانية التي أصلها الإسلام، والتهاون في إيقاع العقوبات الزاجرة.
الشعور بالأمن من الرقيب الخارجي، حيث تربى بعض الناس على وجود رقيب يحاسب على تناول الألفاظ الخارجة.
غياب دور القدوة والمعلم داخل الوسط الاجتماعي المحيط بالفرد حتى ينمي الحس الأخلاقي.
الحقد خاصة عندما يكون الشخص معروفاً، وربما حدث بينهم سوء فهم بشكل معين، ولا يجد هذا الحاقد سبيلاً للنيل سوى السب والشتم وانتهاك العرض.
أيضاً من الأسباب المتجذرة في داخل كل إنسان هو الحسد أو الغيرة، والتي تدفع بصاحبها إلى تمنى زوال النعمة عن أي شخص خلافه، بل قد تصل إلى تمنى موت ذلك الشخص.
وهناك بعض الجهات التي تكون لها أجندة سياسية وتقوم بهذا السب من داخل أو خارج البلد من أجل نشر الفرقة وزرع الفتنة بين أفراد المجتمع.
كذلك بعض الأمراض النفسية؛ حيث يرى أصحابها أن هناك أعداء لهم يتربصون بهم ولديهم أهداف محددة فيما يقولون، فتجد من يحاور ويجادل ويقاتل وفق ما لديه من ضلالات يتوهمها، وربما وصل به الأمر إلى محاولة الوصول إلى من يظنهم أعداءه، ويقوم بتهديدهم أو حتى الاعتداء البدني إذا ما وصل إليه.
المشكلة باقية
ويؤكّد الدكتور عبدالرحمن الجهني أن الظاهرة موجودة وسوف تبقى؛ ولكن من المهم التقليل منها ومن آثارها على الفرد والمجتمع ويكون ذلك من خلال التعامل معها بشكل متكامل من خلال:
وجود دور تشريعي في سن القوانين الصارمة والمعلنة وتحديد الجريمة والعقاب والتشهير.
تبني وسائل الإعلام لمثل هذه الظاهرة التي تؤدي إلى إفساد الحياة الاجتماعية وحدوث الفرقة، فيجب عليها نبذ هذا السلوك وتنبيه الناس وحضهم بضرره وكيفية التعامل معه.
تحمل المسئولية الفردية من خلال عدم الخوض في بعض المسائل التي تخالف المعتقدات الدينية أو الموروث الثقافي أو الاجتماعي، كذلك وجود سبيل وفتح قنوات للحوار والمناقشة المبنية على تحمل المسؤولية ومقابلة الحجة وتوضيح الأدلة ووضعها في مواضعها.
مراعاة السلوكات الفردية في البيئة الداخلية والخارجية التي تؤثر في عملية التنشئة سواءً على المستوى الأسري أو المستوى التعليمي.
نقلة نوعية
ويقول الدكتور فيصل بن بجاد السبيعي رئيس قسم التربية وعلم النفس بكلية التربية والآداب بتربة: إن وسائل التواصل الاجتماعية الحديثة - كحسابات تويتر، وفيسبوك، وغيرهما.. تُشكّلان نقلة نوعية في التواصل بين الأفراد، ونقل الأخبار والأحداث العالمية صوتاً وصورةً إضافة لورود الكثير من الاضافات حول ما ينقل، ويمثل ذلك جانباً إيجابياً لتلك القنوات.
وفي المقابل هناك ممارسات سلبية لمستخدمي تلك القنوات، وعلى سبيل المثال: ممارسات النيل والتطاول في أعراض الآخرين، وقذفهم، وتتبع وتصيد لكل عثرة يقع فيها الفرد بغير قصدٍ، أو محاولات تفسير وحمل ممارسات الآخرين على المضان السيئة، في محاولة للتشفي أو الانتقام أو النيل أو تشويه صورة الآخر.
ويسهم في ذلك ويشجع المستخدم لتلك القنوات جملة من الأسباب، ومنها:
دخول المستخدم بحساب وهمي وغير صريح؛ مما يشجعه لممارسات غير مسؤولة، وإفساح المجال لنفسه؛ للتشفي لنفسه، والتطاول في القذف دون روادع اجتماعية أو دينية أو نظامية.
التأثر بحسابات أخرى مستترة، وذات أهداف خاصة في محاولة؛ لتجييش عواطف الآخرين، وكسب حماسهم، واستخدامهم كأدوات لتحقيق مراد تلك الحسابات.
ضعف التربية الذاتية للمستخدم، وغياب الضمير الذاتي الموجه لسلوكه.
غياب أهلية وعقل المستخدم لتلك القنوات لدى الآخرين، فقد يكون طفلاً صغيراً، أو سفيهاً، أومعتوهاً، أو أحمق .... إلخ .
عدم إمكانية خضوع بعض تلك القنوات ـ تقنياً ـ للمتابعة من الجهات المعنية بضبط سلوك الأفراد.
ونحن كمجتمع ذي ثقافة إسلامية توجه أفرادها لضبط سلوكياتهم، وتمنحهم الحرية الكاملة للتعبير عن آرائهم من جهة، وتحرص على حماية خصوصية الآخرين، وأعراضهم من جهة أخرى.
لذلك تسعى التربية الإسلامية؛ لتربية الفرد وتوجيه سلوكه لاحترام وجود الآخر، وتضمن له وجوده وحرمة التعدي على العرض فعلاً ولفظاً، وشرعت العقوبات والحدود؛ لتكون روادع وزواجر لمن اعتدى أو تطاول على عرض المسلم، وهذا يقود لفرض العقوبات الصارمة لكل من يحاول الإساءة للآخر عبر وسائل تلك القنوات.
كما يستلزم التعاون مع تلك الشركات المشغلة لتلك الحسابات من أجل معرفة الأشخاص المستخدمين لتلك الحسابات الوهمية، ويتطاولون من خلالها على الآخرين.
كما يمثل الوعي لفكر المستخدم جانباً مهمًا للمستخدم لتلك القنوات، بحيث يدرك الهدف من استخدام التقنية بما يعود عليه بالنفع في دينه ووطنه وآخرته.
كما تتحمل مؤسسات الدولة التربوية تبصير الشباب بأهمية الاستخدام الأمثل لقنوات التواصل الاجتماعي؛ بما يكسبهم المهارات والمعارف التي يحتاجون إليها.