الحوثيون يلوّثون مياه الشرب.. ويمنعون عن أهلنا الدواء والغذاء ">
تعز - بشير عبدالله:
تعيش مدينة تعز اليمنية (256 كم جنوب العاصمة صنعاء) وضعاً مأساوياً كارثياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.. إنها مدينة تحتضر، وقد مُنع عنها الماء والغذاء والدواء، وامتزج هواؤها برائحة البارود والموت.. نحو ثلاثمائة ألف أسرة فيها، التي صمدت طوال الفترة الماضية، ولم تجد سبيلاً للخروج من المدينة أو موطئ قدم آخر تنزح إليه، تعيش اليوم وضعاً كارثياً غير مسبوق نتيجة الحصار المفروض عليها من قِبل مليشيات الحوثي وقوات المخلوع صالح التي منعت عنهم الماء والغذاء والدواء والمشتقات النفطية والغاز المنزلي والكهرباء منذ أشهر؛ وأضحى الموت يتربص بنحو مليون وثلاثمائة ألف مواطن، لا يزالون يعيشون فيها، ممن يحتاجون إلى مساعدات إغاثية عاجلة.
أسرة المواطن عبدالله محمد قايد المكونة من تسعة أفراد، ثلثاهم من النساء والأطفال، ومعهم أسر كثيرة، يتقاسمون المعاناة، ويفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، وغدت رائحة البارود والموت تزكم أنوفهم، وتفوح في كل مكان.
وضع لا يُطاق
«الوضع لم يعد يُحتمل».. هذا ما قاله مجموعة من الأهالي المحاصرين وسط المدينة وهم يطلقون نداء استغاثة عاجلة، يخاطبون من خلاله المجتمع الدولي والضمير الإنساني الحي لإنقاذهم وفك الحصار عن مدينتهم المنكوبة التي حولتها مليشيات الحوثي وقوات المخلوع صالح إلى مدينة أطلال، أو مدينة الموت كما يناديها البعض.
كارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، خاصة مع تصاعد وطأة الحرب والقتال فيها؛ إذ يسقط كل يوم العديد من الشهداء والجرحى من الأهالي، فضلاً عن نزوح جماعي للعشرات من الأسر، وتهدُّم الكثير من المنازل، وانعدام كامل لأبسط مقومات الحياة، إضافة إلى تفشي العديد من الأمراض والأوبئة القاتلة في ظل انعدام شبه تام للخدمات الطبية في المستشفيات والمرافق الصحية.
مشهد مأساوي
طلال عبدالسلام واحد من عشرات الشباب الذين تطوعوا وخاطروا بحياتهم من أجل إنقاذ حياة الناس، وقاموا بتوزيع ما تم توفيره من مواد إغاثية إنسانية عاجلة في هذه المدينة التي لم تتوقف فيها أصوات المدفعية والرصاص إلا برهة من الوقت؛ لتعود من جديد.. ينقل إلينا صورة لمشهد درامي مأساوي، لا يتصوره العقل البشري.. فيقول: «وجدنا بيوتاً شبه مهدمة، ممن طالتها نيران الحوثي وصالح، وما زالت تحوي بين جدرانها المخترقة بالقذائف والرصاص أطفالاً صغاراً ونساء لا حول لهن ولا قوة وكباراً في السن.. وقد أنهكهم الجوع والخوف، وأصبحوا شبه أجساد، لم يعد فيها سوى العظم والجلد وما يغطيها من ثياب، لا تختلف كثيراً عن حالهم». ويتساءل طلال بقوله: «أين وسائل الإعلام لتنقل هذه المعاناة من أرض الواقع؟ أين الضمير الإنساني؟ أين المجتمع الدولي؟ أين عقلاء اليمن؛ ليضعوا حدًّا لهذا العبث.. الذي يمارسه عصابات إيران في يمننا.
قلق دولي
عبَّرت العديد من المنظمات الدولية عن قلقها العميق إزاء تدهور الوضع الإنساني في المدينة معتبرة الوضع الصحي في المحافظة متردياً للغاية. وتضطر المستشفيات القليلة جداً التي ما زالت تعمل إلى استقبال أعداد كبيرة من الجرحى في ظل نقص حاد في الإمدادات. محذرة من زيادة تصاعدية في معدلات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية التي سيكون لها نتائج مؤثرة على الأطفال والنساء. كما جددت منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في اليمن إدانتها استمرارية مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية في اعتداءاتها المتكررة والممنهجة وجرائمها ضد الإنسانية بحق المدنيين، الذين يواجهون ظروفاً إنسانية صعبة، تهدد حياتهم.
مدينة منكوبة
الحكومة الشرعية أعلنت في وقت سابق أن المحافظة منكوبة إثر المجازر المروعة والوحشية التي يتعرض لها المدنيون بشكل شبه يومي على أيدي مليشيا الحوثي وصالح الانقلابية. ووجهت الحكومة نداء عاجلاً للمجتمع الدولي، في مقدمته مجلس الأمن، للتدخل الفوري لإنقاذ المدنيين من حرب الإبادة التي يتعرضون لها، وناشدت المجتمع الدولي تحمُّل مسؤولياته الأخلاقية والتدخل العاجل لوقف المجازر بحق المدنيين.
آمال كبيرة على مركز الملك سلمان الإغاثي
وبالرغم من سوء الوضع الإنساني في مدينة تعز، وتضاعف معاناة الناس فيها، وغياب شبه كلي لأبسط مقومات العيش، وحالة الإحباط والتذمر التي تخيم على نفوس الكثير من الأهالي، إلا أن العديد من السكان لا يزالون ينظرون للمستقبل القريب بعين من الأمل، وبتفاؤل كبير، وترقب لما يمكن أن يقدمه مركز الملك سلمان للأعمال الإغاثية والإنسانية مساهمةً منه في إعادة الحياة والأمل لأبناء مدينة تعز المنكوبة.