نايف بن حريمس الشملاني ">
في هذا المقال أتناول اليوم معكم موضوعًا عن هذا الفكر مؤصلاً من الناحية الشرعية، من خلال التعريف والتنشئة بهذا الفكر، وبيان معتقده، وآثار هذا على الشباب في أفكاره وسلوكه، وأدلة ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث النبوية التي ذكرت لنا حال هؤلاء وبيان صفتهم.
أولاً: التعريف والتنشئة: هم فرقة إسلامية، نشأت في نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبداية عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكانت خلافاتهم آنذاك خلافات سياسية تتعلق بشأن الإمامة، فهم يُصرون على دخول البيعة مع اتصافهم بالتعصب الشديد لمذهبهم والتمسك بآرائهم المبني على مُحاسبة أمير المسلمين على كُل صغيرة، وعدم حاجة الأمة الإسلامية لخليفة زمن السّلم.
ثم بعد ذلك بيّن الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه الطريقة المُثلى للتعامل معَ هؤلاء وفق المنهج الشرعي والمتمثل لهم في قوله: «ألا ان لكم عندي ثلاث خِلال ما كنتم معنا: لن نمنعكم مساجد الله، ولا نمنعكم فيئاما كانت أيدكم مع أيدينا، ولا نُقاتلكم حتى تُقاتلونا».
وهذا في حال التزامهم جماعة المسلمين وعدم الخروج عليهم بالبغي والعدوان، ولكنهم لم يلتزموابذلك المنهج، والتاريخ يُسجل لنا ما فعلوه هؤلاء الخوارج في زمن الخليفة علي رضي الله عنه، وذلك حين قُتل عبدالله بن خبّاب بن الأرت وبقَروا بطن جاريته، فطالبهم بِقتلَتِه فأبوا، وقالوا كُلُنا قتله وكُلُنا مستحل لدمائكم ودمائهم، فَسَلَّ عليهم رضي الله عنه سيف الحق حتى أبادهم في وقعة النهروان. وهُزِموا فيها، وأغلب الخوارج من القُرّاء» حفظة القرآن الكريم»، وهم الذين قاتلوا معه في موقعة صفين.
وخرجوا عليه بعد ذلك وأطلقوا على أنفسهم جماعة المؤمنين لتأخذ صبغة الإسلام وهي بعيدة عنه عقيدة وسلوكًا، وكانت لهؤلاء الخوارج حروب وثورات بداية في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة النهروان، وحتى عهد بني أمية في خلافة زياد بن أبيه حيثُ خرجوا عليه وتمردوا عليه فقضى على ذلك التمرد وهزمهم، واستمر قتالهم للمسلمين بعد ذلك على شكل ثورات بقيادات مُتنوعة وفي أماكن متعددة.
ثانيًا: بيان المُعتقد الديني لحال هؤلاء الخوارج: فهو يدورحول ثلاثة أشياء هي:
تكفير المسلمين- الخروج عن طاعة ولاة الأمر- استباحة دِماء المسلمين. وهناك مُعتقدات أخرى لهم لا يتسع المقام لِذكْرِها جميعًا وهم في هذا جعلوا عقولهم هي الحاكمة والغالبة في مُعتقداتهم دون الرجوع في ذلك إلى كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: آثار هذا المُعتقد على أفكار وسلوك الشباب: من خلال استباحة دماء المسلمين، وهذا ما يُصوّره هذا الفكر الضال لِفئام من أحداث الأسنان (الشباب الصغار)، ووعوده لهم بدخول جنة عرضها السموات والأرض إذا اتجه وخالط فكره وعقله هذا المنهج وسار عليه والتزم بآرائه، فعَمِدوا إلى قتل المسلمين فابدؤوا بالأقربين من آباء وأمهات، وإخوة وأخوات، ثم الأبعد في ذلك، وهذا مُشاهَد ومحسوس في جميع وسائل الإعلام المرئي منها والمسموع والمقروء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
رابعًا: أدلة ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من خلال استباحتهم للدماء لم يصيبهم الحرج (وأقصد بذلك عدم حفظهم للنفوس وهي من الضرورات الخمس التي دعا لها الإسلام وأمر بالمحافظة عليها)، واليكم شيئًا
منها: قوله تعالى: «ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فَجزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالدًا فيها وَغَضِبَ الله عَلَيْه وَلَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظيمًا».
قال أبوهريرة رضي الله عنه وجماعة من السلف هذا جزاؤه أن جازاه في الدنيا، وقوله تعالى: (ولاتَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله إلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تعْقِلُونَ).
وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التحذير الأكيد، والوعيد الشديد فيمن قتل أو أصاب دمًا حرامًا: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحه من دينه ما لم يُصب دمًا حرامًا). رواه البخاري قال الإمام ابن الجوزي -رحمه الله-: المعنى أنه في أي ذنب وقع كان له في الدين والشرع مخرجٌ إلا القتل فإن أمره صعب. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قتال المسلم أخاه كفر، وسبابه فُسُوق). رواه الترمذي، وصححه الألباني -رحمه الله-. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كُل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا أو قتل مؤمنًا متعمدًا». راوه أبوداود وصححه الألباني وعن بُريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدُنيا». رواه النسائي وصححه الألباني وعن عبدالله بن عمر ضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منّا». رواه البخاري.
ولبيان حال هؤلاء المارقين عن الإسلام وصفتهم ومن ينتسبون لهم اليوم باسم (تنظيم داعش)، وغيرهم نورد جُملة من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: روى الإمام البخاري في صحيحه أنه قيل للصحابي الجليل سهل بن حنيف الأنصاري: هل سمعت النبي يقول في الخوارج شيئاً؟ قال: سمعته يقول، وأهوى بيده قبل العراق: يخرج منه قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرَمِيّة.
روى الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل أبي سعيدٍ الخُدْري أنه قال: بينما نحن عند رسول الله وهو يقسم قسمًا - أي يقسم مالاً-، إِذ أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله اعدل! فقال: ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبتُ وخسرتُ إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه؟ فقال: دَعهُ، فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم - أي من شدة عبادتهم-، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم - والترقوة هي العظمة الناتئة أعلى الصدر أي يقرؤون القرآن ولا يفقهونه-، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. قال أبو سعيد: فأشهدُ أني سمعت هذا الحديث من رسول الله، وأشهدُ أن علياً بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه.
روى الإمام البخاري في صحيحه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: إذا حدثتكم عن رسول الله حديثًا، فوالله لأن آخر من السماء أحبّ إلى من أن أكذب عليه، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج قومٌ في آخر الزمان، أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قَتْلِهِم أجرًا لِمَنْ قَتَلَهم يوم القيامة. وروى الإمام الترمذي في سُننه بسند حسن عن الصحابي الجليل أبي أُمامة الأنصاري أنه رأى رؤوس الخوارج منصوبة في دمشق، فقال أبو إمامة - راويًا عن رسول الله - : كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قَتَلوه، ثم قرأ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} إلى آخر الآية. فقيل لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا - حتى عدّ سبعًا- ما حَدّثْتُكُموه.
وفي الآيات السابقة وهذه الأحاديث التي سبقتها غُنية وكفاية لطالب الحق. أخيرًا ليسمح لي قُراءنا الكِرام أن أطلت عليهم، لمقتضى الحاجة التي دعا لها هذا الطول، وبعد أسأل الله أن يحفظ هذه البلاد من كل شر وبلاء وفتنة، وأن يُوفق الله قائد مسيرتها، وباني نهضتها، ومشيد بنائها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ونائبيه الُمحمدين إلى كل خير، وأن يُمَكِّنْ الله لهم النصر والتمكين على أعداء الإسلام، وأن يُسدد خُطاهم، ويُبارك في جهودهم لخدمة الإسلام والمسلمين في كل مكان.
- عرعر