الجزيرة - بندر الايداء:
في الوقت الذي تعالت فيه مطالب المحللين والاقتصاديين بضرورة تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد السعودي وإيجاد بوصلة تتحدد على أساسها السياسة الاقتصادية للمملكة، والتحول من الاعتماد الكامل على النفط إلى الموارد المتنوعة شددت لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى في توصياتها بشأن التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد والتخطيط للعام المالي 1435/1436هـ، بوضع برنامج تنفيذي متكامل لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على البترول كمصدر دخل رئيسي، وفق أهداف طموحة وجدول زمني محدد ومتابعة فعالة.
ويناقش الشورى اليوم التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد والتخطيط وسط ترقب لسياسات الوزارة بشأن التنويع الاقتصادي خصوصاً بعد تعرض أسواق النفط إلى تذبذبات عنيفة وتراجع في الأسعار خلال العام الجاري تراجعت على اثرها ايرادات وعوائد النفط السعودي.
وبحسب آخر تقرير لوزارة الاقتصاد والتخطيط فقد سجلت الصادرات غير النفطية في عام 2014م ارتفاعاً بنسبة8.4 % لتصل إلى 186,6 مليار ريال. وقد سجلت قيمة صادرات المملكة من البتروكيماويات ارتفاعاً بنسبة 9.2 % لتبلغ حوالي 143,6 مليار ريال، كما ارتفعت قيمة صادرات مواد البناء والمنتجات الزراعية والحيوانية والغذائية والسلع المعاد تصديرها، في حين انخفضت صادرات السلع الأخرى بنسبة 2.2%.
وبلغت قيمة صادرات المملكة من النفط خلال 2014 م نحو 1,06 تريليون ريال بانخفاض نسبته %11.6مقارنة بالصادرات النفطية في العام السابق.
ويعزى الانخفاض في قيمة الصادرات النفطية إلى تراجع أسعار النفط في الشهرين الأخيرين من عام 2014م وذلك على الرغم من زيادة الإنتاج النفطي، حيث يمثل النفط الخام 73% من إجمالي الصادرات النفطية. وقد زادت قيمة صادرات المنتجات المكررة بنسبة 22% من 104,6 مليار ريال في 2013 م إلى 127,6 مليار ريال في 2014م.
من جانبه قال المحلل الاقتصادي محمد العمران: بالتأكيد وفي الحقيقة فإن موضوع تنويع مصادر الدخل القومي للمملكة يشكل أهم التحديات التي تواجه الحكومة بأكملها وليس وزارة الاقتصاد فقط، ولهذا السبب يتوجب أن يتم التعامل مع هذا التحدي كأولوية قصوى من قبل مجلس الاقتصاد والتنمية بحيث يتم التخطيط لبرنامج بعيد المدى يستهدف 10-20 سنة من الآن ويتم تنفيذه من قبل جميع الأجهزة الحكومية خلال هذه المدة، وبحيث يتم متابعته دورياً من قبل المجلس للتأكد من التوجه والتنفيذ الصحيح، وعندما نقول 10-20 سنة فهذا بسبب أننا قبل أكثر من 40 سنة وضعنا نفس الهدف في الخطة الخمسية الأولى للمملكة عام 1970م ولم يتحقق منه أي شيء طوال هذه المدة.
وحول توقيت مطالبة لجنة الاقتصاد والطاقة بشأن وضع برنامج تنفيذي متكامل لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على البترول وفق أهداف طموحة وجدول زمني محدد ومتابعة فعالة قال العمران: بعيداً عن المجاملة فإن مطالبة اللجنة أتت متأخرة كثيراً وليس لها أي قيمة لأن مجلس الاقتصاد والتنمية تنبه لمشكلة عدم تنويع مصادر الدخل من البداية ويعمل الآن على إيجاد آلية تهدف لتنويع مصادر الدخل، وهذا دليل على ان بعض لجان مجلس الشورى مع الأسف تأتي باقتراحات متأخرة كثيراً وفي بعض الأحيان ليس لها قيمة، وفي الحقيقة هذا دليل واضح على أن بعض أعضاء مجلس الشورى لم يطلعوا على البيانات الرسمية الصادرة عن اجتماعات مجلس الاقتصاد والتنمية حول موضوع تنويع مصادر الدخل ويبدو أنهم لم يطلعوا أيضاً على مسودة الخطة الخمسية الجديدة للمملكة والتي تم مناقشتها في مجلس الشورى وسيبدأ العمل بها قريباً.
من جهته قال الاقتصادي فضل البوعينين: بعد كل هزة في أسواق النفط وتأثر الإيرادات الحكومية بشكل كبير تتعالى الأصوات بالمطالبة بتنويع مصادر الدخل. وهي مطالب منطقية؛ إلا أن التعامل مع قضية تنويع مصادر الدخل وفق آلية ردود الأفعال الوقتية لايمكن أن يحقق الهدف؛ او يعالج المشكلة؛ وبالتالي لابد من وجود عمل إستراتيجي منظم يستبق الأحداث ويسهم في منع وقوع الأزمات المالية. واضاف: وزارة الإقتصاد ليس هي المعنية الوحيدة والمسؤلة عن تنويع مصادر الدخل؛ بل هي جزء من المنظومة الحكومية المعنية بها ومهما أقترحت من إستراتيجيات وخطط وبرامج فمصيرها الإهمال مالم تأخذ بها الحكومة وتحولها إلى هدف إستراتيجي تلتزم بتنفيذه. لذا نجد أن هدف تنويع مصادر الدخل أدرج في الخطة الخمسية الأولى منذ نحو خمسين عاما؛ إلا أنه لم يحول إلى مشروع تتبنى الحكومة تنفيذه لتحقيق أهدافه. بل إن كثيراً من التشريعات الحكومية؛ وآلية التعامل مع القطاعات الاقتصادية كانت تتعارض مع مبادئ تنويع مصادر الدخل الذي يفترض أن يعتمد بشكل رئيس على تنوع الاقتصاد ورفع مساهمة القطاع الخاص بما يجعله القائد الحقيقي للنمو، وبالتالي يمكن أن ينتج عن ذلك التنوع اتساع قاعدة الاقتصاد عبر إيرادات حكومية متنوعة ومستدامة وغير مرتبطة بالنفط.
ويرى البوعينين ان الحكومة هي المسؤولة عن تنفيذ الخطط ووضع التشريعات التي تقود إلى تنويع الاقتصاد وبالتالي تنويع مصادر الدخل؛ ومع وجود مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يفترض أن يكون هذا الهدف في مقدمة الأهداف الرئيسة التي يتبناها المجلس ويحولها إلى خطة عمل متكاملة وفق برامج محددة قادرة على تحويل الهدف اللفظي العالق في الخطط الخمسية الماضية إلى هدف ملموس يمكن تحقيقه على أرض الواقع. طريق الألف ميل تبدأ بخطوة؛ شريطة أن تكون الخطوة على الطريق الصحيحة؛ وهذا ما نحتاجه اليوم.
وتابع: وضع سوق النفط الحالية؛ وتحديات الدخل ربما حفزت الحكومة على وضع إستراتيجية لتحقيق تنويع مصادر الدخل والانعتاق التدريجي من هيمنة إيرادات النفط على الموازنة السعودية؛ إلا أن المراهنة على «تحديات الدخل» كمحرك وحيد للبدء في تبني خطط تنويع الاقتصاد قد تكون مراهنة خاسرة. لا بد من اقتناع الحكومة الكلي بها؛ والنظر إليها على أنها الخيار الوحيد لضمان الاستقرار المالي؛ بمعزل عن النفط وإيراداته؛ وإن عادت إلى الارتفاع مستقبلاً.
وحول مطالبة لجنة الاقتصاد والطاقة بشأن بوضع برنامج تنفيذي متكامل لتنويع مصادر الدخل قال البوعينين: أتفق تماماً مع مطالبة اللجنة بشأن وضع برنامج تنفيذي متكامل للتنويع وفق أهداف طموحة وجدول زمني محدد؛ فالأهداف الطموحة تبقى حبراً على ورق ما لم تتبناها الحكومة وتؤطرها بإستراتيجية محكمة وخطط وبرامج محددة؛ ومدة زمنية لتحقيق أهدافها. مثل هذا العمل الإداري المحكم هو ما ينقصنا في الوقت الحالي.
واقترح البوعينين تشكيل فريق عمل تنفيذي مرتبط بمقام رئيس مجلس الوزراء لوضع تصور شامل حيال تنويع مصادر الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل؛ ووضع إستراتيجية موحدة وخطة محددة؛ يلتزم الفريق بتنفيذها خلال فترة زمنية محددة مع ضمان توفير الدعم التام له؛ وتحقيق التكامل بين الوزارات؛ وخلق تشريعات ضامنة لتحقيق الهدف.
واردف البوعينين: الوزراء منهمكون في أعمال وزاراتهم ولا يمكن لهم الإبداع وهم مثقلون بمسؤوليات متعددة ومتنوعة؛ لذا ففريق العمل التنفيذي الذي يستمد قوته من الملك شخصياً هو القادر بإذن الله على تحقيق الهدف. فنحن في أمس الحاجة لخلق فرق عمل متخصصة تتولى مسؤولية البرامج الحكومية الإستراتيجية؛ بصورة مشابهة لما يحدث في الشركات الكبرى.
استمرارية العمل الحكومي التقليدي لن يساعد في تحقيق الأهداف الطموحة؛ وسيثقل من حركة التطوير الحالية؛ كما أنه ربما أفشل عمليات إعادة هيكلة الاقتصاد لأسباب بيروقراطية صرفة.