إبراهيم الطاسان ">
حكم على قدري أن لا أكون فلاحا، وأنا الفلاح كابرا عن كابر. لذا عشت وعايشت واقع الفلاليح ومعاناتهم، وهم الفئة المعدومة لتمثيل في لجان ومؤسسات ومجالس وغرف عناوينها خدمة المزارع والشئون الزراعية، والحق أن ما نسمع ونقرأ عن تلك المجالس والغرف واللجان هو أبعد ما يكون عن الواقع، ذلكم أن ألتنظير شيء والواقع شيء آخر. والحقيقة التي لا مراء فيها أن كل واقع هو نتيجة تجربة. إلا القانون فإنه نتيجة للواقع، فالمجتمعات بممارستها وأعرافها التي سادت، هي التى كتبت قواعد قانونها السائد فيما بينها. بينما العلوم الأخرى نظريات قد تصدق عند التطبيق وقد تخطئ، فقانون التفاضل هو الذي دل على كيفية الحركة التفاضلية.
ومثله كل شيء ينظر له دون تجربة تحقق النظرية على الواقع، فأساتذة الإنتاج الزراعي بفروعه المختلفة فى الجامعات، ولا الخبراء المستقدمين لذات الغرض، ولا المتداولين لرأي في المجالس الرسمية (الشورى) ولجان الزراعة فى الغرف التجارية، أي منهم لم يلامس أو يقف على واقع وحقيقة معاناة المزارعين. فاللجان الزراعية بالغرف التجارية أعضاؤها من تجار أرادوا تعظيم أرباحهم من الاستثمار فى الزراعة، حينما كانت مجديه بالنسبة لهم. وانسحبوا حينما قل مرودهم منها، وبعضهم لا يعرف موقع مزرعته من جغرافية المملكة، وقد أسميتهم فى مقال لي نشر منذ سنوات «مزارعي غرف خمس نجوم ممن يديروا مزروعاتهم بالريموت كنترول» فليس مجديا أن يمثل المزارعون عند مناقشة معاناتهم سواء فى وزارة الزراعة، أو مجلس الشورى بمنسوبي اللجان الزراعية بالغرف التجارية، أو بنموذج فلاليح الخمس نجوم. وما لم يمثل المزارعين بفلاح شطب عرقوبه يصل إلى ركبته، وكف يده بسبب الفأس والمنجل اخشن من نبع النخلة، فإن تمثيلهم بمن لا يعرفوا عن طبيعة الزراعة إلا مسميات وظائفهم أو برأس مالهم الذي كان مستثمرا في الزراعة لن يؤدي نتائج تعكس واقع المزارعين ويقلل معاناتهم. الأمس يمتد بأثره على الفلاح لليوم : كانت مزاحمة التجار للمزارعين من خلال استحواذهم بالوجاهة أو بالمال على حيازات واسعة أثمرت عن توريدات للقمح إلى صوامغ الغلال بكميات كبيرة. للحد الذي فسره: أن ثاني صومعة من حيث الطاقة التخزينية صوامع منطقة القصيم، قبل تخفيض سعر الدعم كانت نسبة 60% من طاقة الصوامع يوردها فقط (سبعة) مزارعين! وثلاثمائة وثمانية وثلاثين من مزارعي القصيم اشتركوا في النسبة المتبقية وقدرها 40% من الطاقة الاستيعابية. وربما والقصيم نموذج لبقية المناطق. نتج عنه طفرة فى إنتاج القمح، وطفرة فى استنزاف المياه كما تتداول المعلومات» أدت الطفرة الزراعية فى إنتاج «القمح» إلى إجراءات منها خفض مقدار الإعانة، وخفض معدل كمية إنتاجية الهكتار، وخفض نسبة المساحة المسموح بها للمزارع» كميات كرت التوريد للصوامع» ترتب عليها: أن من كان مقرر له توريد 200 طن، خفض إلى 80 طن، ومن كان مقرر له 100 طن خفض إلى 35طن سنويا.
ثم خفض الدعم من ثلاثة ريالات إلى ريالين ثم إلى ريال واحد، فانسحب تجار الاستثمار في إنتاج القمح، وبقي الفلاح الذي يأكل ويطعم أبنائه من زراعته، يعاني من فيوض ديونه المترتبة على مرحلة طفرة التنمة الزراعية وذلك لأسباب المذكورة، حيث ظل جهده لسد مديونياته للبنك الزراعي. ورغم أن الإعانات التى كانت تقدم له لتأمين مكائن ومضخات وحراثات ومعدات مزرعته مقسطة عليه وفق كمياته المعلومة المحددة من القمح أو الشعير، مقيمة بسعر الدعم عند 3 ريالات للكيلو ثم انحدرت إلى ريالين ثم إلى ريال، ترتب عليه نتيجة لذلك أن: من كان كميته من القمح المورد للصوامع 200 طن. عند سعر 3ريالات, وعند ريالين وعند ريال واحد.
أصبح تحسم مبالغ إعانات معداته عند مستوى دعم الكمية المحددة له وهي 200 طن مضروبة بثلاثة آلاف ريال للطن (600.000) ستمائة ألف محسوما منها قيمة قسطه السنوي.
ولكنه عند تخفيض كميته إلى 80 طن وبسعر ريالين ومن ثم ريال واحد للكيلو فالنسبة والتناسب بين قسط السداد عند الكمية 200 طن سواء كان الدعم عند ريال واحد أو ريالين أو 3 ريالات، وبين الكمية 80 طنا حتما ذهبت بكل إنتاجه لسداد القسط، والمزارع هو الشريحة الوحيدة التي لم تحظ بأي مما حظي به المجتمع من زيادات ومنح مشكورة، أو خفضت أقساطه أو أعفي من بعضها.بما يتناسب والظروف التي أدت إلى تدني سعر الدعم وتقليل الكميات.
ثم عبء آخر تلا تلك المرحلة، تقادم معداته وضرورة تجديدها، وارتفاع أسعارها لإيقاف دعم أسعارها. اليوم: منذ أحيل بالمياه لوزارة الكهرباء والمياه، انتهجت وزارة الكهرباء والمياه نهجا يعاني منه المزارعون بإجراءات انعكس عنها تأثيرها السلبي على شريحة الزارعين. حيث حددت الوزارة عمق البئر برخص الحفر بـ(200) متر.
دون مراعاة لطبيعة التربة. وما ينتج عنها فى حدود المائة متر. وهنا أذكر أن كل مزرعة عمرها 200سنة يوجد فيها ما لا يقل عن عشرة قلبان ( بئر) ذلك أنهم خبروا بالتجربة خبروا طبيعة التربة، فعند حفر البئر والوصول للمياه بجوف الأرض تكون المياه عذبة يزرعوا ويشربوا منها، ثم بعد العشر سنوات الأولى تبدأ تستملح، وخلال عشر سنوات أخرى تصبح غير صالحة لا لزراعة ولا للشرب بسبب كثافة نسبة الملوحة، وقد أطلق آباؤنا على هذه العملية «صبه واحقنه» أي أنهم يستخرجوا الماء ثم يعود للبئر بالترسب حاملا أملاح سطح الأرض. ليحفروا بئر أخرى لا يتعدى بعدها عن التي قبلها خمسين متر ودواليك.
وهي نفس الحالة مع الآبار الارتوازية اليوم، نتيجة تقييد وزارة الكهرباء والمياه بالعمق بحيث لا يتجاوز 200متر. وقيدت رخص الحفر بعدد بئر واحد مع تعهدات ينوء الجمل بحملها بردم البئر قبله،ارتفاع تكاليف الحفر حيث كان المتر يكلف 80 ريالا أصبح 450 ريالا.
فاتجه المزارعون بتكثيف زراعة أملاكهم بالنخيل وعلى الرغم من قدرة النخل على النمو على المياه المستملحة.
إلا أن للمياه المالحة على الثمار مضارا واضحة وكبيرة منها أن الثمار أصبحت تصاب بما يعرفه المزارعون بالغبير، ورشه بالمبيدات يلحق ضررا مؤكدا بالصحة، وما يسلم من الغبير يجلد ( يتصلب قشرة) وتصلب القشر يتسبب بسقوط القمع وسقوط القمع يتسبب بدخول الهواء لتمرة فتسوس.
ونتيجة لاتجاه المزارعين للنخيل ولكثرة أعدادها فى المزرعة، تقافزت أسعار العمالة التي توالي النخل. إذا علم أنه بين عشرين رجالا، قد لا تجد بينهم واحد يستطيع طلوع النخلة، حيث لا يكتشف الإنسان أنه مصاب بالدوار حتى يحاول طلوع النخلة. فالنخالون قلة. والنخلة تحتاج لموالات تتطلب طلوعها فى الموسم الواحد على الأقل ست مرات إلى أحد عشر مرة .وهنا أرجو أن يرحب صدر القارئ الكريم لأسرد عليه المصطلحات التى سترد بين ثنايا استعراض موالات النخل.
وهي مصطلحات قد تختلف من منطقة إلى أخرى ولكنها كلها تعني شيئا واحدا. وهي [ التشييف، التلقيح، فك الكمام، التعديل أو التركيب، الخراف أو الجداد] التشييف: ويعني نزع أشواك النخل لا تؤذي النخال. وأصبحوا يتجاوزون عنها بجعلها مع أول عملية تلقيح السنوية.
التلقيح عملية نقل اللقاح من الفحل إلى كل طلع» قنو» بالنخلة الواحدة وبالكميات التى تحتاجها، فلكل نوع من النخل كمية تقل أو تزيد عن غيرها من الأصناف الأخرى ويعرف ذلك أصحاب النخيل. ثم تربط شماريخ (براعم ) الطلع المسمى (قنو) لسببين حفظ زهور اللقاح لا تطير مع الرياح، ولا تتفرع فتتشابك فتتشلق ( تتشقق من عرجونها) فتتلف ثمارها, فك الكمام: قبل التعديل بأيام لتأخذ الشماريخ وضعها عند التعديل. التعديل ويسمى التركيب وهو عملية تحميل القنو على رطيب العسيب بتقريبه إلى عرجونه ليكون متدليا ملاصقا لأمه. وهي العملية تحتاج إلى خبير متمرس، وإلا تكسرت العراجين وخلف الله على الفلاح ثمرته لنفس موسمه.
الخراف أو الجداد: هذه المرحلة تحتاج عند الخراف طلوع نخل الخراف كالسكري ثلاث إلى أربع مرات في الموسم للخراف فقط.
وهذه المراحل يلزم لتنفيذها كلها طلوع كل نخلة (ثلاث مرات على الأقل خلال عشرة أيام التلقيح) ومرة واحده لكل نخلة لقطع الكمام، ومرة واحدة لكل نخلة للتعديل، وما بين (مرة وخمس مرات) مرة واحده لكل نخلة للجداد أولصرام. وخمس مرات للخراف النخل. ومجموع طلوع كل نخلة ست مرات من غير نخل الخراف، وإحدى عشر مرة للخراف.
وليس كل فلاح قادر على طلوع النخل، خاصة والنخل يتجاوز عمرها مئتين سنة وطولها قد يتجاوز 50م.
وفي ذات الوقت الفلاح لوحده كفرد لا يستطيع تغطية موالات مئة نخلة. لذا يضطروا للعمالة المتخصصة بالنخيل.وعمال موالات النخل لا يقبلون بأقل من سبعة ريالات لكل حالة من الحالات المذكورة للنخلة الواحدة، والحالات فى حدها الأدنى ست حالات، وحالة الخراف لوحدها أحد عشر حالة طلوع.
فإذا كان عدد فروع النخل بالمزرعة ألف فرع وهو الحد الأدنى فإن [ 7×6مرة] =42 ريالا × 1000= 42000 ريال وفي الخراف [7×11=77ريال لسكرية.
مثلا.. وغيرها كثير من أصناف نخل الخراف. لما ذكر نجد الوافدين الذين يمتهنون طلوع النخل يرفعون أسعارهم سنة بعد أخرى ليضطر المزارعون لبيع ثمارهم لمن يستغلها بثمن بخس، فاستغلوا هذه الحالة، ويقومون بشراء الثمار بثمن متدن أمام قلة حيلة الفلاح، باسم الكفيل، ويسوقوا باسم الكفيل. لأن الفلاح مضطر لترك ثمار نخله بفروعها أمام هذه التكاليف. إذا علم أن مجموع الأيام الفعلية لكل عمليات موالات النخلة الواحدة لا تزيد عن (خمسة أيام متفرقة فقط )طوال الموسم الواحد. منحصرة فى مدة أيام التلقيح وفك الكمام والتعديل وهذه العمليات تتم خلال خمسين يوم ابتداء من التلقيح إلى التركيب. ثم مدة أيام الخراف والحداد( الصرام) ومداها الأقصى خمسة وسبعون يوما.
وكلها أوقات معلومة لكل مزارع.
من صالح المزارع ومن صالح الإنتاج ومن صالح المستهلك، والاقتصاد الوطني السماح للفلاح باستقدام نخالين بتأشيرة واحدة صالحة لقدوم مرتين، أي تأشيرة لقدومين فى السنة كتأشيرات موسمية يقيم بموجبها العامل إقامة نظامية معتمدة للفترة المحددة، يحدد الفلاح تاريخ صلاحية القدوم لكل فترة ويعفى من رسوم التأشيرة الموسمية مساعدة له، لعدد من النخالين حسب أعداد فروع نخيله بموجب شهادة من فروع وزارة الزراعة تصادق على صحة العدد بمعدل مئتين نخلة لكل نخال واحد.
مما سيقلل من تلف التمور المتروك فى فروع أمهاته، أو عدم صلاحه لعدم تلقيحه وسيعود ذلك على الجميع بالنفع على الفلاح، والسعر للمستهلك. ويقضي على المتسترين من العمالة.