ليلى
إني أتعلق من رسغي في حبلين
الحبلان صليبي وقيامة روحي
الحرية والحب
والحرية برق قد لا تبصره عيناي، وعينا جيلي المتعب
لكن الحب يلوح قريباً مني.
- صلاح عبد الصبور
1
كقطار أعمى وبليد عبَر هذا العام، دهس في طريقه وهو يمضي كل شيء.. اقتلع شجراً وأحلاماً، وفطم مني صبابة الروح.. هذا العام لم يكن رحيماً بنا كلنا.. شيعنا فيه الكثير من الراحلين، واختصمنا فيه مع الحياة كثيراً.. الحياة التي ما عادت تجامل فينا توق الإنسان، ولا عدنا نحن المدللين من أبنائها، فهل غدونا نحن أكثر عقوقاً بعد أن كبرنا؟ أم أنها الحياة ما عادت ذلك الوعد الموشح باليقين؟
هذا العام يمضي وفي ذمته ما أخذه منا، وفي ذمته أيضاً ما أبقى من النقصان، ويا هذا العام أنا لا أحبك.
2
قبل عام فعلنا كالأطفال الذين يحلمون ويرسمون شجراً أخضر ومطراً وعصافير لا سماء لها، ويلصقون الشمس على مسافة وعد.. مثلهم فعلت أنا، غير أني رسمت في خلفية الصورة قمراً بهياً طالعاً ونهراً يجري دون ماء.
ورسمت كتباً ملونة وأطفالاً بحقائب مدرسية.. ورسمت أيضاً سلماً ناهداً للسماء.
غير أني نسيت أن أضع إطاراً للصورة.
وأتلفت اليوم والعام يمضي وإذا العصافير التي رسمت في سماوات أخرى، والأطفال يتمنطقون بأحزمة من الجحيم، والباقون يلوكهم الحزن.
والنهر جف، والشجر لم يعد شجراً، ووحده الإطار الذي لم يكن معلقاً بقي فارغاً كأنه اللايقين.
فهل أصبح الحلم خطيئة؟ وهل نحن من خان وعد الحياة أم أن الحياة تخون؟
3
ولن أكرر الخيبة هذا العام مرة أخرى.. وسأرسم أشياء قليلة ومختلفة، أشياء لا تُحزن حتى لو لم تأتِ.. كل أوجاعنا تأتي من الانتظارات والأمل ومن حيث يكون اليقين.
ولن أرسم هذا العام أطفالاً بحقائب الحبر، ولا أمتلك البارود لأعبئ أقلامهم، ولا جوازات السفر التي تنقلهم للجنة، ولا أبشّر بذلك.. ولا أمتلك غير الورق والريش ونوتة العصافير..
لكني سأرسم كمنجة بوتر واحد، كأنها الربابة.. وربما مطاراً ببوابات مغادرة فقط.. وربما طريقاً صاعداً للشمال، وقد أشعل ليلاً ونشيداً، ولعل الفرح يستعاد.
ووالله سأرسم وطناً جميلاً جميلاً جميلاً كدعاء الأمهات، وسأرسم ضلوعاً تحيطه كالأسوار، وسأكتب بدم الوريد «أحبك يا وطني، وكل عام ومكانك الخلد».
4
ويا هذا العام اجمع ما تبقى وغادر.. وفي ذمتك الفرح، وفي ذمتك الذين كانوا لنا الأعياد كل يوم، وقدرنا الخسارات حتى الأيام التي وهبت لنا.
- عمرو العامري