بداية أتقدم بخالص العزاء وصادق المواساة إلى كافة أسرة آل أبو ملحة في وفاة فقيدهم الغالي اللواء سعيد بن محمد أبو ملحة، رحمه الله، سائلاً المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة ويلهم أهله وأسرته الصبر والسلوان.
لقد آلمني أشد الألم وأبكاني وأحزنني خبر وفاته، الذي تلقيته من ابنه محمد، لقد فقدت منطقة عسير بشكل خاص والوطن بشكل عام رمز من رموزه الأفذاذ، وعلماً من أعلامه وابناً باراً من أبنائه الأوفياء المخلصين، حيث رحل إلى مثواه الأخير بمدينة الرياض يوم الجمعة 27 ذي القعدة 1436هـ الموافق 11 سبتمبر 2015م، بعد معاناة مع المرض. لقد غادر هذه الدنيا الفانية إلى دار الخلد الباقية، بعد حياة كريمة حافلة بالعمل والعطاء، قضاها في خدمة الدين ثم المليك والوطن الغالي، حيث خدم، رحمه الله، في الاستخبارات العامة، بكل فخر وتفانٍ وإخلاص وولاء وطاعة لله ثم لولاة الأمر والوطن. وبعد تقاعده، رحمه الله، لم ينقطع عن العمل والبذل والعطاء في خدمة الوطن وفي خدمة الإنسان، الكبير والصغير، من يعرف ومن لا يعرف، الفقراء والمحتاجين.. وغيرهم.
سعيد الإنسان كما عرفته شخصياً وعرفه غيري، كان بحق مثالاً يحتذى به في التواضع، والوفاء، والسخاء، والكرم، والبشاشة، والنبل، واللباقة وسمو الأخلاق، والعطف، وتجسيد صلة الرحم، والثقافة.. كان رحمه الله شديد الحب لتراب هذا الوطن، ومحباً لولاة الأمر، يتصف بالدعابة الراقية والقصص المسلية الجميلة. كان رحمه الله رحمة واسعة، عندما يزور الرياض، قبل مرضه، ويساعدني الحظ بتشريفه لي في منزلي، تكون تلك الزيارة من أمتع وأجمل اللحظات، حيث يتخللها الكثير من النكت الجميلة والتعليقات الراقية المرحة، والحديث الشيق.. كان عاشقاً للعلم والعلماء والثقافة والمثقفين، وقد أسس اثنينية، هي (إثنينية أبو ملحة) يلتقى فيها بالعلماء والمشايخ والمثقفين والأدباء والشعراء ورجال الإعلام والمواطنين من داخل المنطقة وخارجها في منزله العامر بأبها.
وعلى الرغم من مكانته الاجتماعية وهيبته الكبيرة، إلا أنه كان إنساناً بمعنى الكلمة عطوفاً، رحيماً، حنوناً، اجتماعياً، يقضي ساعات طوال في خدمة المجتمع ومساعدة المحتاجين، وقضاء حاجات الناس، ومد يد العون، وفعل الخير، وهو مرجع لكل صاحب حاجة، وملاذ للفقراء والمساكين، بابه دائماً مفتوح، للصديق، والغريب، والمسافر، والجائع، وصاحب الحاجة.
من مواقفه وأعماله الإنسانية الجليلة حرصه الشديد على إصلاح ذات البين وحل المشاكل الاجتماعية والأعمال الخيرية وطلب العفو لوجه الله تعالى في عدد من قضايا المحكوم عليهم بالقصاص والمساهمة في حل العديد من القضايا الاجتماعية، في منطقة عسير وغيرها، ونجح في الكثير منها بحكم حب الناس له ومكانته الاجتماعية، التي كانت محل الاحترام والتقدير، فهو سليل أسرة كريمة لها تاريخها، ومعروفة بمواقفها المشرفة مع المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، أثناء قيامه بتأسيس وتوحيد هذا الكيان الكبير، فكان للشيخ عبدالوهاب أبو ملحه السبق مع شيخ شمل قبائل شهران العريضة، الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، في دعم ومساندة المؤسس، رحمهم الله جميعاً.
ولقد قال صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، طيب الله ثراه، في تسجيل صوتي، (… كل القبائل ما فيها قصور ولكن الشيخ عبدالوهاب أبو ملحة ومعه الشيخ سعيد بن مشيط كان لهما دور كبير في دعم الملك عبدالعزيز وتأييده رحمهم الله جميعاً…).
بفقدان اللواء سعيد أبو ملحة، فقدنا رمزاً من رموز الوطن وشخصاً عزيزاً وغالياً وسوف يبقى حاضراً في قلوبنا وإن غاب عنا، فاللهم يا حي يا قيوم أبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة من غير حساب وافسح له في قبره مد بصره وأفرشه من فراش الجنة، اللهم أنزله منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين، اللهم ألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان وأطرح في قلوبهم الطمأنينة، اللهم ثبتهم على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويوم يقوم الأشهاد، اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا وسيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- الدكتور/ عبدالله بن مشبب بن رحرح الشهراني