غياب التأهيل الشرعي المصرفي المعتمد ساهم في دخول عناصر غير مؤهلة ">
الجزيرة - الرياض:
«أصحاب الحكم الأخير حول صناعة التمويل الإسلامي ليسوا هم الأجهزة التنظيمية، أو المصرفيين أصحاب البدلات الأنيقة، أو السلطات، وإنما هم مجموعة مختارة صغيرة من المختصين، هم الفقهاء الذين يرتدون ملابس عادية كالزهاد، ويتخصصون في مجالات الفقه الإسلامي». بهذه العبارات افتتح الكاتب روبن ويجلزويرث مقالته عن فقهاء الصيرفة الإسلامية. تلك المقالة التي كُتبت في 2009 لا تزال ثابتة حتى وقتنا الحالي، إلا أن هناك بوادر نحو التغيير!
ترى ما نسبته 89 % من الذين شملهم استفتاء مجلة «إسلاميك فاينانس نيوز» أن على فقهاء المصارف الحصول على شهادات معتمدة، تتواءم مع التخصص الدقيق الذي يجمع بين فقه المعاملات والأمور المصرفية. يعلق محامٍ خليجي على نسبة الـ11 % التي تعارض فكرة حصول الفقيه المصرفي على شهادة معتمدة بقوله: «لا بد لأي شخص حيادي، يستطيع أن يمزج بين تطبيق تعليمات الشريعة مع المعاملات التجارية، أن يحصل على شهادة معتمدة، تتعلق بهذين التخصصين».
وبحسب المجلة الماليزية، فقد تم تحديد «الخبرة المصرفية المحدودة»، بوصفها إحدى القضايا المزعجة في الصناعة. ويتفق المراقبون على أن غياب التأهيل «الشرعي المصرفي» المعتمد ساهم في دخول بعض العناصر غير المؤهلة بما يجب. ويلخص محامٍ نقاط العجز فيما يأتي: «نقص المعرفة المالية والمصرفية، وعدم توحيد الآراء والفتاوى الشرعية، وعدم تشجيع الأفكار الإبداعية الخاصة بتطوير المنتجات».
وأرجعت مجلة فوربس الأمريكية في تقرير نشرته في 2008 قلة أعداد الفقهاء إلى أسباب عدة، أولها: أن دراسة الشريعة الإسلامية يمكن أن تستغرق 15 عاماً، ويلزم عدد آخر من السنوات للتدريب على الأمور المالية قبل أن يصبح الشخص قادراً على إصدار حكم يعتد به.
ويبدي المتابعون لنمو الصرافة الإسلامية تحفظاتهم على ظهور الفقهاء «غير المتخصصين» بالمالية الإسلامية، الذين يصدرون فتاوى حول الصيرفة الإسلامية، على الرغم من أنهم غير متخصصين بها. ويعلق على ذلك فقيه ماليزي، فضل عدم الكشف عن هويته، بقوله: «إن هؤلاء الفقهاء العاديين موجودون في كل مكان في العالم، وقد رأيتهم بنفسي. فهم يعتقدون أن لديهم معرفة عميقة بالنظام كله. وعندما يواجهون مسألة فقهية خاصة بالصيرفة، وغير متأكدين منها، يقومون بعدها بإعلان أنها غير مطابقة للشريعة. فمن السهولة لهم إصدار مثل هذه الفتاوى للمنتجات غير المتأكدين منها».
ويتابع: «فتعاليم الإسلام تُعلّمنا أن نسهّل المشكلة، ولا نعقّدها بشكل أكبر. وعليه، فنحن الفقهاء نحاول أن نسهّل هذه الأمور. وإن الحل الوحيد لمعالجة مثل هذه المشكلة هي عبر مواجهتهم ومجادلتهم حول مثل هذه الفتاوى».
وسبق لمحمد الخنيفر، مراقب ومدقق شرعي معتمد من (AAOIFI)، أن أشار في مقابله سابقة مع مجلة إسلاميك فاينانس نيوز الماليزية إلى أن التشوهات في النظام الحالي (يقصد النظام المالي الإسلامي) أصبحت «واضحة لأولئك الذين يعملون بداخله»، مشدداً في الوقت نفسه على أن هناك «حاجة ماسة لإصلاح الصناعة، واستعادة مصداقية ما يمكن أن يطلق عليه (منتج إسلامي)». وتابع: «عندما نشاهد فقيهاً ذائع الصيت يقوم بإجازة الصكوك المقترحة لبنك جولدمان ساكس الأمريكي، ومن ثم يعلن الفقيه نفسه في مجلس شرعي آخر أن هذه الصكوك محرمة، حينها تعرف أن هناك خَطْباً ما في صناعتنا.. إن هذا لهو خير مثال على تضارب المصالح، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على سمعة الفقهاء؛ ما يؤدي إلى تبعيات سلبية على الجهات التي ترغب بإصدار الصكوك».
ويقصد بتضارب المصالح عندما يجلس الفقيه المصرفي الواحد مع هيئات شرعية عدة؛ ما قد يؤدي إلى تسريب بعض المعلومات الخاصة بمنتجات، أو حتى ظهور فتاوى متضاربة (على القضية نفسها) من الفقيه نفسه.
يُشار إلى أن المجالس الشرعية، التي لا بد أن تكون موجودة في البنوك، تجيز أو لا تجيز التعاملات والمنتجات والخدمات، لكنها لا تتدخل في السياسة الائتمانية للبنك أو في خيارات المحافظ.
ويمكن لهذه الصلاحيات أن تضع الفقهاء في خلاف مع المصرفيين الذين يأتون بمنتجات متزايدة التعقيد. يقول أحد المطلعين على شؤون الصناعة: «شاهدت بنوكاً تكون فيها العلاقات وثيقة بين الأطراف، وشاهدت بنوكاً تتسم العلاقات فيها بالتوتر، ولكن يعلم الجميع أن البنك لا يستطيع القيام بشيء دون الحصول على موافقة الفقهاء».
المغرب وهيئة للرقابة الشرعية
من ناحية أخرى، صدر مرسوم ملكي في المغرب، يقضي بإنشاء هيئة للرقابة الشرعية للإشراف على قطاع التمويل الإسلامي في البلاد.
وستكون هذه ثاني خطوة رئيسية لتسهيل إنشاء البنوك الإسلامية، وتمكين الشركات من إصدار سندات إسلامية (صكوك) بعد أن وافق البرلمان على مشروع قانون التمويل الإسلامي في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وكان المغرب يرفض منذ وقت طويل الفكرة، لكن السوق المالية في البلاد تفتقر إلى السيولة والمستثمرين الأجانب، وقد يساعد التمويل الإسلامي على اجتذاب الاثنين.
وقالت النشرة الرسمية إن الهيئة التي تسمى اللجنة الشرعية للمالية التشاركية ستتألف من عشرة مستشارين شرعيين وخبراء ماليين.
وقال المرسوم إن مهمة اللجنة ستكون إبداء الرأي بشأن مطابقة المنتجات المالية التي تقدمها مؤسسات الائتمان ونماذج العقود المتعلقة بهذه المنتجات مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.
وأضاف بقوله إنه سيكون من مهام اللجنة المذكورة «إبداء الرأي بشأن مطابقة مضمون القرارات التي يصدرها والي بنك المغرب مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها المتعلقة بالمنتجات المالية التشاركية والودائع الاستثمارية والعمليات التي ينجزها صندوق ضمان ودائع البنوك التشاركية». وعهد المرسوم إلى الهيئة «إبداء الرأي بشأن مطابقة عمليات التأمين التكافلي التي تقوم بها مقاولات التأمين، وإعادة التأمين في إطار المالية التشاركية لأحكام الشريعة، وكذا بشأن مطابقة عمليات إصدار شهادات الصكوك مع الشريعة».