د. عبد الرحيم محمود جاموس ">
لقد أكد خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة على جملة من البديهيات، منها أن فلسطين نقطة الصفر، نقطة المركز، وكلمة السر في الحرب وفي السلام، في معادلات العالم القديم والجديد، فلسطين بيت القصيد والنشيد في الشرق الأوسط الكبير أو الصغير، فلسطين على مرِّ التاريخ هدفٌ لذاتها، وهدفٌ لما تمثّله لغيرها.
فلسطين قضية دائمة مزمنة، تبحث عن حلٍ عادل لها ولغيرها من شعوب المنطقة، فلسطين منطق الحقيقة الغائبة، ولسان الواقع والتاريخ والأيديولوجيا، فلسطين التي يمتزج فيها نسيج العالم الثقافي والسياسي والاقتصادي، فلسطين حالة خاصة جداً ليس كمثلها شيء.
إذن مسيرة طويلة من الغياب والتغييب، استهدفت فلسطين الأرض والشعب والسلطة، أي عناصر الدولة الثلاثة، استهدفها المشروع الصهيوني، واستهدفتها شبكة تحالفاته الإقليمية والدولية، لكن مسيرة الكفاح والنضال للشعب الفلسطيني، كسرت هذا الغياب والتغييب، فكانت فلسطين عصية على الغياب والتغييب، وبقي شعبها عصياً على الذوبان، كما هو عصي على الانكسار، وبقيت مقدساتها الإسلامية والمسيحية شامخة تعلن هوية فلسطين العربية، وهكذا واصل الإنسان الفلسطيني تمسكه بأرضه ووطنه وهويته وثقافته وكافة حقوقه المشروعة في وطنه فلسطين، فحال دون الغياب، ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة، على يد قوات العاصفة ورجال الفتح في الأول من يناير 1965م بدأت مراكمة الإنجازات، لتبدأ فلسطين مسيرة العودة نحو فلسطين، ومسيرة العودة إلى الخارطة السياسية الدولية، وإلى الجغرافيا الشرق أوسطية، رقماً صعباً عصياً على التجاوز والإنكار.
فلسطين اليوم وبعد خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة 30-09-2015م تضع المجتمع الدولي بأسره أمام الامتحان الأخلاقي الكبير في عصر الحرية والاستقلال والديمقراطية...
فالعالم اليوم عليه أن يختار ما بين استمرار الظلم والعدوان والاحتلال والفاشية، وما بين إنجاز الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني والعدل والأمن والسلام للعالم أجمع، على الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي، اتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات لإنهاء هذا الاحتلال في أجل زمني محدود، وفق مرجعية دولية تحقق إنجاز السلام وتمكِّن دولة فلسطين من ممارسة سيادتها على أراضيها.
إن خطاب الرئيس أبو مازن في الجمعية العامة، يعني الإعلان عن إنهاء مرحلة سابقة، والبدء في مرحلة كفاحية جديدة، عنوانها الدولة والاستقلال، وهذا يرتب على الشعب الفلسطيني ممثلاً في فصائله الوطنية المختلفة واتحاداته ومنظماته الشعبية المختلفة، مهام وواجبات كفاحية ونضالية جديدة تتوافق وهذه المرحلة النضالية بكل أبعادها السياسية والقانونية والاجتماعية، كونها تمثّل القواعد الأساسية تاريخياً للنضال الفلسطيني ولمنظمة التحرير الفلسطينية، ويمثّل أساساً لبرنامج الوحدة الوطنية المنشودة.
لذا نقول إن خطاب الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة حمل إلى العالم معاناة الشعب الفلسطيني عبر سبعة عقود وإصراره على نيْل المطالب والحقوق المشروعة في وطنه من حق العودة إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، والخالية من الجدار، والاستيطان، وأنهى عملياً مرحلة سلطة الحكم الذاتي المؤقت والمحدود، وأعلن البدء عن مرحلة الدولة تحت الاحتلال، وانطلاق النضال السلمي والسياسي والقانوني والمقاومة الشعبية من أجل استكمال الاستقلال.. وحمَّل المجتمع الدولي مسؤوليته القانونية والأخلاقية إزاء هذا الوضع الجديد في توفير الحماية للشعب الفلسطيني من بطش الاحتلال وإجراءاته الفاشية.
كما حمل رسائل خاصة للوضع الفلسطيني الداخلي للاتحاد وإنجاز الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال وفق ظروف الشعب الفلسطيني وبالطرق السلمية وتصعيد المقاومة الشعبية.
لذا نقول: أيها الفصائل الفلسطينية على اختلاف ألوانها.. وأيها الاتحادات والمنظمات الشعبية الفلسطينية.. وأيها المثقفون الفلسطينيون... خطاب الرئيس أبو مازن وضعكم أمام مسؤولية وطنية تاريخية عليكم أن تكونوا على مستواها، وأن يأخذ الجميع دوره في تحمُّل المسؤولية الاجتماعية والسياسية والكفاحية، التي تترتب عليه في إطار مرحلة جديدة كفاحية ونضالية، ويجب التّرفع عن الغوغائية التي يعج بها الخطاب الإسلاموي واليساري المزاود...
والنظر بموضوعية وواقعية لمهام الكفاح والنضال الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج، في ظل جملة المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم...
يجب التفكير فيما يجب، ووضع الآليات التي من شأنها توحيد الطاقات المتجددة لشعبنا الفلسطيني، لتحقيق أهدافه الوطنية... عبر تصعيد المقاومة الشعبية السلمية، التي ستجد كل المساندة من جميع دول العالم وشعوبه، وذلك من خلال برنامج كفاح شعبي موحد تنخرط فيه جميع قوى الشعب الفلسطيني، ويمثّل منهجَ حياة مقاوماً للاحتلال وأساليبه وإجراءاته، وتدعيم صمود الشعب الفلسطيني في وطنه حتى يتم دحر الاحتلال الصهيوني إلى غير رجعة، ويذعن إلى مطالب الشعب الفلسطيني كاملة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
إذن، الرئيس أبو مازن كقائد للنضال الوطني قد علَّق الجرس للجميع، للكيان الصهيوني أن يدرك خطورة سياساته على مستقبله، وللأمم المتحدة أن تقوم بدورها، وللقوى الدولية والإقليمية أن تسارع لتطوير مواقفها مع ما يخدم السلم والأمن الدوليين وينهي آخر احتلال فاشي على وجه الأرض، وللفصائل الفلسطينية والمنظمات والاتحادات الشعبية أن تطور أداءها وتنظيماتها كي تأخذ دورها الطبيعي والطليعي في قيادة الكفاح الشعبي المنوط به مهمة إنهاء الاحتلال وانتزاع سيادة الدولة.
- عضو المجلس الوطني الفلسطيني