آبار «حمى نجران».. تاريخ ضارب في قلب الصحراء وهواء نقي يملأ جنبات المكان ">
نجران - تقرير - علي الربيعان:
تعد آبار حمى التاريخية، كما لو كانت فصلاً جديدًا يكتب في تاريخ وحضارة منطقة نجران وكافة أرجاء المنطقة الواقعة جنوب الجزيرة العربية؛ فقد وثَقت النقوش والجداريات مسيرة إنسان هذه المنطقة منذ العصور القديمة وحتى قبل 7 آلاف سنة، وبالتالي فهي تكاد تضاهي الحضارة الفرعونية التي تماثلها في السنوات والملامح الأثرية المنسوجة من راحة الإِنسان، غير أن خير هذه الآبار لا يزال ممتدًا حتى الوقت الحاضر.
وعرفت آبار حمى، تناغمًا مع ثقافات المجتمع عبر الحقب المختلفة، وزادها انتشارًا وأصالة، الروايات والمواقف المقصوصة على ألسن الذين مروا بها من زوار وقوافل سائرة، لتكون أشهر آبار عرفتها الجزيرة العربية وأجملها من حيث المنظر وعبق التاريخ، حتى باتت المنطقة مقصدًا للسياح والزوار وكل من يتركون ديارهم بحثًا عن المتعة والاسترخاء بعيدًا عن ضوضاء المدن.
وكانت عدد من القبائل العربية خلدت قبل قرون أمجادها بنقوش وكتابات قديمة على الآبار، حيث أفاد مؤرخون: إنها قد تكون أولى الآثار التي عرفها الأهالي هناك، ولعل أشهر النقوش التي تضمها حمى مسميات لـ36 معلمًا أثريًا، في حين لم يتجاوز عدد الآبار «السبع» التي تحيط بها الكهوف والجبال من جميع الجهات.
وتشير الدلائل التاريخية إلى أنها عاصرت العديد من الحقب وسجلت عبر النقوش والرسومات محاولات العديد من الدول للسيطرة على منطقة «حمى»، التي أثبتتها سلسلة آثار المملكة الصادرة عن وزارة التعليم، حيث ذكرت أن تاريخ المكان مرتبط بعقود من الاختلافات بين السكان والنزالات القتالية بين القبائل.
كما بينت تلك النقوش المنحوتة على خلفيات الآبار أن «حمى» كانت عبارة عن محمية يفد إليها هواة الصيد من كافة أرجاء المعمورة، ويؤكد ذلك ثقافة الزائرين لها منذ الأزمنة الماضية، فالصيد والرماح والأعواد والسهام تملأ الأرجاء؛ إضافة إلى وجود الخط الثمودي والمسند الجنوبي، والخط الكوفي.
وعبر تاريخها الضارب في الجذور لم تكن يومًا آبار «حمى» تأبى زوارها، بل على العكس تفتح لهم الطريق إليها وتسخر خيراتها لخدمتهم، فلم يسجل أنها تخلت ذات يوم عن مرتاديها أو أولئك الراغبين في الاستيلاء عليها، فعذوبة مياهها وكرمها غلبت قهرها، وما زالت حتى اليوم تسقي اللاجئ وعابر السبيل وقاصدها بحنين الماضي؛ فكانت مصدر إلهام لكثير من العباقرة والشعراء الذين ظلوا يرددون منشدين حول كهوفها القصيد وأبيات الشعر، حتى أضحت فأل خير لرموز قبائل عربية لتكون عنوان مجالسهم فيما مضى وتتواتر عبر التاريخ من أجيال لأجيال، بالرغم من أنها خلدت منذ زمن. من زار هذا المكان بإمكانه البقاء بالتخييم أيامًا والاستمتاع بأجواء باهية كون الهواء النقي، يملأ جنبات المكان. يقول الرحالة فليبي: من زار هذا المكان عليه التحضير لبحث يفوق ما يتخيل، والحياة في هذا المكان امتلأت وتشبعت بطبيعة من سكن، وحتمًا زائر المنطقة ستتحقق له المتعة والاستفادة في استخلاص تجارب حفظها وعاشها المكان على مدى قرون مضت.