نبكي على الدنيا وما من معشرٍ
جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
الاتصاف بالسماحة وهدوء الطبع، ولين الجانب، من سمات المؤمنين الأبرار الذين يحبهم الله العزيز ورسوله الكريم. وسعيد كل السعادة من تكون هذه الصفات من طبعه، ومن حلله، ونرجو من المولى أن يكون الشيخ العابد ناصر بن حمد الموسى من الموصوفين بذلك تفضلاً ومِنَّة من رب العباد، الذي انتقل إلى الدار الباقية بعد معاناة مع المرض وعقابيله التي ألزمته الفراش مدة طويلة.. وذلك يوم الثلاثاء 8 - 12 - 1436هـ بعد حياة حافلة بإخلاص العبادة لله.
ولقد وُلد في بلدة القرينة بمحافظة حريملاء، بلد أجداده وآبائه، وعاش هو وأخواه سليمان وموسى بين أحضان والديهم في جو يسوده الحب والوئام، ومع أبناء جيرانهم ولدَّاتهم.. وعند بلوغه سن السابعة ألحقه والده بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم أحد الكتّاب ـ آنذاك ـ وختم القرآن الكريم كاملاً مع حفظ عدد من أجزائه عن ظهر قلب، وحفظ بعض المتون مثل ثلاثة الأصول، وكتاب التوحيد، ومتن العقيدة الواسطية.. إلخ. وكان من سماته هدوء الطبع وسماحة الخلق؛ ما جعل النفوس تميل إليه حُباً واحتراماً، وتأنس بقربه مع أقرانه وأقاربه. ولقد أحسن الشاعر؛ إذ يقول:
وجه عليه من الحياء سكينة
ومحبة تجري مع الأنفاس
وإذا أحب الله يوماً عبده
ألقى عليه محبة في الناس
وظلت هذه الصفات الحميدة ملازمة له طيلة عمره المبارك الذي يناهز عبور الهُنَيدة، إلى أن غابت معه تحت طيات الثرى.
ولقد قضى معظم حياته مكافحاً في طلب المعيشة، وفي مزارعه ونخيله.. وبالأعمال في البناء بتشييد الدُور، والقصور العملاقة بالطين واللبن؛ إذ كان معلماً أي «أستاذاً» في المباني عموماً في بلدة القرينة بمحافظة حريملاء، وفي مدينة الرياض في سالف الأزمان قبل توافر مادة الأسمنت والحديد. وقد بنى الكثير من المساجد والمساكن العديدة.
كما كان من ضمن من قاموا بتشييد قصور جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وعدد من قصور الأسرة المالكة من بنين كرام وبنات فضليات..
وحينما يمر جلالته عليهم ليطمئن على سير أعمالهم، وحثهم على سرعة الإنجاز فيما وُكّل إليهم من أعمال.. فإنه يمنحهم إكراميات مالية.. وأحياناً يأمر بتزويدهم «بصوانٍ» تنوء بما يوضع فوقها من أطعمة ولحوم تكريماً لهم وتطييباً لخواطرهم..
ومن صفات «أبو حمد» الجميلة البر المتناهي في خدمة والديه، والإحسان إليهما، وإكرام أصدقائهما، وبذل جاهه ومعروفه لمستحقيه.. وإصلاح ذات البين بين الأسر والأزواج عامة، فالنصح والحكمة لا تغيب عن باله، فكل أعماله تتصف بالحنكة والأناة والتريث لإصابة الهدف المنشود، والله هو الهادي إلى الصواب. وكان في آخر حياته يقضي الساعات الطوال في تلاوة القرآن الكريم مع إمامته المصلين في مسجد حيهم بالخزيمي، وكان منزله ملتقى لأحبابه وجيرانه ومعارفه، فهو من الذين يألفون ويؤلفون. كما عمل مع هيئة النظر في بلدية محافظة حريملاء فترة من الزمن؛ لما يتمتع به من سداد الرأي وقبول لدى الجميع. وقد ختم حياته نصحاً وإخلاصاً محباً لإسداء المعروف والعمل في المجالات الخيرية طالباً المغفرة من المولى وحسن الختام، ولسان حاله يردد قول الشيخ الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني:
ونرجو من الديان عفواً ورحمة
ولطفاً إذا باتت علينا الصفائح
ولقد خلف ذرية صالحة من الأبناء والبنات، نفع الله بهم في مجالات عدة، وتغمده المولى بواسع رحمته، وألهم ذويه وأخاه موسى وأبناءه وعقيلته (أم حمد) ومحبيه الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ}.
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء