لا يعلم أي منّا قدره، فالبعض تغادره روحه وهو في غفوته، وآخرون في حوادث سير إما بسبب سرعة جنونية وإما بسبب اصطدام عنيف، وآخرون تغادرهم أرواحهم مكبّرين, مهلّلين، نافرين إلى مشعر مقدس آخر، ليكملوا مناسكهم في موسم الحج المبارك.
أقدارنا مكتوبة من قبل أن نُخْلق, وجميع ما يصادفنا في حياتنا من امتلاك وفقدان وربح وخسارة سواء بالأشياء المادية أو المعنوية هي أقدار من الله يقدّرها لنا سبحانه وتعالى.
فأعظم خسارة عند ذوي القلوب الحيَّة، الخسارة التي نشعر تجاهها بشيء من الخوف وحتماً تذكّرنا بيوم الحساب، بينما نحن نصول ونجول في أرجاء هذه الحياة، غارقون في غياهب مشاغلها، هي خسارة الأرواح، لا أرواح ذوينا فقط، بل حتى أرواح أناس لم نقابلهم أبداً، بل فقط سمعنا بخبر موتهم يهز كيان سكوننا وهجعتنا.
شعرت بخوف عندما كنت أشاهد إحدى القنوات التي بدأت عناوين أخبارها مع بداية تلك الساعة، فكان أول عنوان هو: وفاة ما يزيد عن سبعمائة حاج وإصابة ثمانمائة إثر تدافع في مِنى. كان عنواناً محزناً جداً، وصوراً أبكت قلوبنا من أعماقها، كان ذلك قدراً قدَّره الله سبحانه وتعالى. فلا مفرَّ من أقدار الله، فقد كان هذا الحزن يتلو حزناً لم ينجل بعد، هو سقوط رافعة حصدت أرواح المائة وربما يزيدون.
لا يسعنا إلا أن نقول هنيئاً لمن غادرته روحه وهو في حجةٍ أو عمرة، فقد توفي كما ولدته أمه بإذن الله، هنيئاً لمن غادرته روحه وهو يصلي في بيت الله الحرام. هنيئاً لمن غادرته روحه مصلياً أو على طاعةٍ يحبها الله.
فقد ورد في صحيح مسلم وغيره عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يبعث كل عبد على ما مات عليه. وفي الديباج عن مسلم: يبعث كل عبد على ما مات عليه أي على الحالة التي مات عليها.
أسكن الله حجاج بيت الله الحرام الذين غادرتهم أرواحهم في مشعر منى أو في أي مكان من بيت الله الحرام فسيح جناته، وألهم ذويهم الصبر والسلوان، ونسأل الله بأن يمنَّ بالشفاء العاجل على من أصابتهم جروح أو كسور، ونسأل الله بأن يشفي جميع المسلمين في بقاع الأرض اللهم آمين.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
حنان عبسي - الطائف