د.محمد أحمد الجوير ">
كل ما يجري على الساحة العربية من ويلات، كان بسبب ثورات هوجاء لم تُحسب عواقبها، ثارت بأسباب تحريضية، تطلعاً لأطماع سياسية، امتطت سلّم الدين ونصرة المظلومين المقهورين، سارت وتأثرت بحركات سياسية، اضطلع بها «حركيّون» انتهوا إلى المشانق، وبقي فكرهم، يسري ويموج في عقول ثلة أرادت لنفسها هذا الشقاء، طبعاً كلنا مررنا في سنيّات عجاف مرّت بها منطقتنا، وأعني بذلك غزو صدام حسين لأهلنا الكويتيين في خطوة متهورة، لم تُحسب عواقبها جيداً، وكان لا بد مما ليس منه بد، رأى الملك فهد - رحمه الله - بنظرته الثاقبة أن مصاب الكويت هو مصابنا، ألهمه الباري جلّ في علاه، فعقدَ العزم للوقوف بجانب الشقيقة الكويت وتحريرها من سرقتها، ولا يمكن لنا، ولا للكويتيين أن ننسى مقولته - رحمه الله - الشهيرة التي باتت «عبارات» تاريخية، تتلى على مر السنين، طالما بقيت الدولتان (المملكة العربية السعودية والكويت) مستقلتين عزيزتين، قال - رحمه الله -، «إما نحيا جميعاً أو نموت جميعاً، نبقى جميعاً أو نذهب جميعاً، لا يمكن بقاء أحدنا دون الآخر»، حينها اتخذ القرار التاريخي باستدعاء قوات أجنبية تحت مظلة الأمم المتحدة لتحرير الكويت، وقد كلل الله جهوده - رحمه الله - وأظهره على حسن نواياه وعادت الكويت حرة أبية لأهلها، وعادت إليها حكومتها وأهلها الفارون من شر صدام، قرار الملك فهد - رحمه الله - لم يرق لبعض المشايخ والدعاة، وطفقوا يشحنون العامة، ويصورون لهم بأن سيناريو «الطوائف في الأندلس» سيتكرر وستبقى القوات الأجنبية وستستعمر بلادنا، هكذا زرعوا وبثوا الرعب في محاضراتهم، وهم معروفون بالأسماء وموجودون بيننا ويمارسون ذات التوجه المائل، مما يعني أنهم خالفوا توجهات الدولة بأسلوب هائج ومثير ومحرض، وعندما تكررت المأساة في البحرين في أواخر عهد الملك عبد الله - رحمه الله - ومحاولة إيران التدخل وزعزعة الأمن فيها اتخذ الملك عبد الله قراره السريع للحيلولة دون تغلغل الصفويين في إيران، واتجه جيش «درع الجزيرة» وقطع الخط على إيران وتركها وكتَّابها يولولون ويتهمون المملكة باستعمار البحرين، وحينها لم ينبت هؤلاء المشايخ والدعاة أرباب مرحلة تحرير الكويت ببنت شفه، ظلوا صامتين ولكأنهم يرقبون النتائج لعلها تكون في صالحهم، لا نسمع لهم دعوات ولا تأييداً لتوجه الدولة وتعاملها الصارم في وجه هؤلاء المعتدين، وثالثة الأثافي والقاصمة التي قصمت ظهر البعير، يتي قرار الملك سلمان مع عاصفة الحزم للوقوف في وجه المد الصفوي في اليمن، ولا نجد لهذه العينة المثيرة الثورية، أية حضور إلا في ناحيتين، إما الصمت أو الاتهام الباطل بأن المملكة تريد من هذه الحرب، الاستيلاء على اليمن، وأنها تقتل أبناءه، وأمام استشهاد جنودنا وضباطنا في ميدان المعركة أو ما يصيب المدن السعودية الحدودية، جراء الصواريخ العشوائية التي تطلقها قوات الحوثي العميل، والمخلوع صالح، لا نجد استنكاراً من هذه النوعية المثيرة الثورية، ولا ترحماً لشهدائنا، ولا تعازي لذويهم، وهم يرون مواقع التواصل الاجتماعي، تعج بالتفاعل مع هذه الحوادث، وهم معنا في موقع «تويتر» لم نر لهم ما يشفع لهم، بقدر ما نرى ما يدينهم من تحريض وشحن للعقول المتحمسة وتأييد وتعاطف مع «الدواعش» الضالين المنحرفين عن جادة الطريق، نرى منهم من يعزي الحوثي بقتلاهم ويدعو لهم علناً، نرى منهم من يحرض لذهاب الشباب لمواطن الصراعات ويهوّن من قتلهم بقوله (ليمت خمسة، ليمت ستة، ألا ترونهم يموتون في التفحيط، فليموتوا.. فليموتوا، ويظهر بكاءً تشفق على حاله) والآخر بلغ به العمر مبلغه، ترى سروره بهذه الثورات «بائناً» على وجهه سعيداً بما أسماه (الخريف العربي)، ويبشر بعبارات تفوح منها رائحة «الثورية» بسقوط حكام آخرين، سنراهم تباعاً حسب زعمه، وآخر اتسم منهجه بالصراخ والعويل، شاهدناه في خطبته بمصر وهو يحلف أنه يرى الملائكة تقاتل بين صفوف المصريين في ميدان رابعة العدوية، يُجسِّد منتهى «الدجل والاستخفاف» بالعقول الساذجة التي تكبر له وتسبح بحمده، فيزداد صراخاً وعجباً في ذاته، ولو ألقينا نظرة خاطفة على مواقف هؤلاء المثيرين الثوريين، حيال جرائم «الدواعش» في بلدنا على وجه الخصوص، فإنني حتماً سأحكم عليهم، كما حكمت في كذا مقال وكذا تغريدة، بأنه لم ينجح منهم أحد، كما الحال بالنسبة لشيعة القطيف والعوامية، وأعني بذلك كتّابهم ومثقفيهم على وجه الخصوص، لكن الغريب وما يلفت الانتباه، أنك لم تجد، ولم تسمع قط أن خطيباً في جمعة، تناول «داعش» بالاسم، فقط يحومون حول الأفكار الضالة، ولكأنّهم موجهون بالتوقف عن تناول هذا التنظيم الخبيث، كيف لا!.. ومعالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد عضو هيئة كبار العلماء، قد شنّع على هذا التنظيم بالاسم قبل كذا جمعة، في خطبة تُعد نوعية وغير مسبوقة، نالت استحسان وإعجاب الجميع، وكذلك الحال بالنسبة لسماحة المفتي ومعالي الشيخالح الفوزان، كلهم يشنّعون «بالدواعش» بالاسم، ألا يجدر أن يكون هؤلاء هم القدوة؟.. هذا تساؤل لوزارة الشئون الإسلامية، التي ظلت صامتة، إزاء هذا التجاهل من خطباء الجمع، مما يشي بتعاطف «خفي مخيف» مع «الدواعش الفواحش الفواجر» الخارجين بأفعالهم عن تعاليم ومنهج الدين القويم، تويتر وحده كشف المستور، وبات حالة «استخباراتية» يجب على الجهات المختصة، استغلالها لمعرفة المثيرين الثوريين، عشاق الخراب والدمار والدماء، وتمجيد البعيد على حساب القريب، المثيرون الثوريون في زمن تحرير الكويت، هم المثيرون الثوريون في هذا الزمن، غير أنهم ازدادوا «قطيعاً» يهرول خلفهم، البعض منهم، لا يحسن الوضوء، ولا التطهر من الحدث، ترى كيف يقدّسون من يهيمون في حبه، والتفاعل مع صراخاته وتحريضاته الثورية، من على منابره كخطيب جمعة، أو من خلال قنواته المائلة التي تستضيفه، وهو يظن أنه يحسن تصرفاً، ولا يدري أنه يسيء لدينه ولوطنه وقيادته، المثيرون الثوريون وللأسف أغلبهم من المشايخ والدعاة ويسير في خطاهم، مثيرون ثوريون شيعة، القاسم المشترك بينهم جميعاً، عشق الثورات والتمني بجلبها للوطن، وعشق قادة وعلماء آخرين، بعيدين عنا جغرافياً، يتغنون بهم وبحركاتهم وسكناتهم، ويقبِّلون رؤوسهم، ويتقربون إليهم، يضعون أنفسهم في موضع التهمة، وقد قال الفاروق رضي الله عنه: «من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومن إلا نفسه» المثيرون الثوريون، لا يزالون، يُشكِّلون خطراً على الوطن والمجتمع وعلى الشباب بالذات، قوامه (التحريض والتأليب وشحن النفوس، وغسل الأدمغة، والإيقاع بين العالِم والحاكم) اللهم إني بلغت، فاشهد.. ودمتم بخير.