الفرس أقاموا الدنيا عويلًا وصراخًا على حادثة منى، وقبلها أغرقونا بكاءًا على حادثة الطفل السوري الغريق، والله أعلم على ما سيعلو نياحهم بعد، وما المصائب التي تحل بأمتنا إلا ولهم اليد الطولى فيها، ولن نخوض في أسباب الحدث واثقين كل الثقة بقدرة الأجهزة المختصة على الوصول إلى الحقائق وإعلانها بكل نزاهة وشفافية وتحمل المسؤولية، فليس على هذه الأرض أكثر حرصًا على الحقيقة ومعالجة أسبابها وتجنب تكرارها من خلال هذه الأجهزة التي أثبتت دومًا أنها الأجدر على حماية البيت الحرام وضيوف الرحمن. ونحمد الله على قدره وقضائه ونحمده سبحانه أن مكن الأجهزة المختصة للاستجابة لآثار الكارثة المؤلمة بكل كفاءة واقتدار.
ليست المملكة بثقلها بحاجة لمن يفند ادعاءات المغرضين الطائفيين ضدها، وليست هي بصدد الالتفاتة لهم.. فأمامها الكثير من التحديات الجسام .. وإعلامها الرسمي يثبت دومًا أنه إعلام وطني عربي ملتزم ومسؤول عن تنفيذ سياسة الدولة بالسمو على صغائر الأمور، فلديه قضايا أكبر وأهم، وليس أهمها الآن من خدمة ضيوف الرحمن التي تجندت لها - كما كل عام - كل قطاعات الدولة. في الوقت الذي تخوض هذه الدولة حربًا للدفاع عن وجود الأمة الذي يحاول الفرس وحلفاؤهم من اليهود النيل منها ومن أراضيها ومقدراتها. الرعاة السائرون خلف الإعلام المعادي يتناقلون صور الكارثة، فيما لم نرهم يتناقلون خبر شهيدة الأقصى صبيحة العيد، ولم يتناقلوا صور مئات الآلاف الذين قضوا على مذبح الحرية في سورية بأمر قادتهم لذلك العميل الصغير القابع تحت حمايتهم في دمشق وللعميل الأصغر في صنعاء، ولم نرهم يتباكون على أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين التي يدنسها الصهاينة يوميًا على مرأى ومسمع من عيون أولئك الذين عميت أبصارهم.
لقد تركوا كل الصور والمآثر الإنسانية والخدمات الجليلة التي يقدمها خدام البيت الحرام على مدار العام لضيوف الرحمن، وأصبح شغلهم الشاغل الإساءة للدولة التي لم يعد للمسلمين رايةً تدافع عنهم سواها في هذا الزمان.
تقول الإحصائيات الرسمية أن نحو ثلاثة ملايين عربي سوري ويمني دخلوا المملكة، ونرى بأم أعيننا كيف يحظى هؤلاء الضيوف العرب بكل حقوق الرعاية والصحة والتعليم والإقامة الطيبة وسط المدن، وبينما لا يرى أولئك الموتورون سوى بضعة خيام أقيمت للعرب اللاجئين الهاربين من مؤامرة الفرس والصهاينة، لا يحظون فيها بأدنى احتياجات الإنسان، فصوروها على أنها قصور عامرة.
ونرى ما يراه كل زائر للبيت الحرام في موسم الحج وعلى مدار العام الخدمات الهائلة التي تقدمها قطاعات الدولة وبخاصة الأمن والصحة والحج والأمر بالمعروف وفرق المتطوعين والكشافة وحتى القطاع الخاص وغيرهم الكثير، ولكن الفرس وأذنابهم لا يرون إلا أناقة بشار ودجل الحوثيين وكذب الولي الفقيه. ولسنا نأمل من أولئك غير ذلك، ولكننا ما زلنا نأمل من بني جلدتنا ألا ينساقوا معهم، فالحلال بين والحرام بين، والله ناصر من ينصره.
إن أمن المملكة هو أمن لكل من ولى وجهه شطر المسجد الحرام، فهو أمن أولى الأولويات ما دام يدخل في أمننا الشخصي, الساهر على حفظ أرض منبع العقيدة. فإلى كل واحد من رجال الأمن المرابطين في سبيل الله في مكة، وإلى كل واحد من زملائهم الذين تستنهض قواهم, وتزداد مهامهم في كافة مناطق المملكة، أجمل تحية اعتزاز، وإلى قياداتهم الأمنية والسياسية، خالص التقدير ومبعث الافتخار. ولحجاج بيت الله الحرام، أن يبتهلوا بالدعاء إلى الله أن يحفظ هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعيد اللحمة والوئام لأمتنا العربية والإسلامية. وإلى أساتذتنا وطلابنا وزملائنا واخوتنا وأبنائنا وشيوخنا العاملين على خدمة ضيوف الرحمن، سيروا بقافلتكم إلى الأمام، فأنتم من بشركم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لن تمسكم النار فأنتم الذين تبكي عيونكم خشية من الله وأنتم الذين بتم وأصبحتم تحرسون في سبيل الله.
- د. عبد الناصر عباس عبد الهادي