أحمد بن عبدالرحمن بن رشيد العوين ">
قامت الشريعة الإسلامية السمحاء على التخفيف والتيسير على الناس، في عباداتهم ومناسكهم، ومعاملاتهم، وبيعهم وشرائهم، وجميع شؤون حياتهم، إذا كان العمل يشق على فاعله قال سبحانه: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (286) سورة البقرة، وقد ورد في الشرع أوجه للتخفيف في الأحكام الشرعية على 1ذوي الإعاقة في جميع عباداتهم، فمن لم يستطع منهم الطهارة بالماء أجزأه التيمم، ومن عجز عن القيام للصلاة أباحت له القعود، وغيرها من التيسيرات الكثير.
وقد عرف (ذو الإعاقة) كما عرفه الدكتور محمد الطريقي في كتابه (مراحل حاسمة): (الذي يحتاج إلى الآخرين في تدبير حياته الجسدية، وهو العاجز عن توجيه نفسه في مجتمعه، وهو الذي لا يستطيع التحرك بفاعلية أمام الآخرين، ولا يستطيع القيام بعمل منتج، قياساً بمن هم في مثل عمره وجنسه وبيئته، وهو العاجز عن المشاركة في العلاقات الاجتماعية وتأمين العيش لنفسه).
من صور الإعاقة الإعاقات البصرية: (العمى، العور)، ومن صور الإعاقات الجسمية: (شلل دماغي، الرعاش، عرج، شلل أطفال، المقعد، شلل اليد، الأقطع، الصرع، الصمم، الأبكم، الاضطراب في النطق، التأتأة، الأخرس التخلف القلي، المعتوه، المجنون).
وذوو الإعاقة في الحج على حالين:
إما أنه ناقص الأهلية فليس من ذوي أهلية الأداء مثل: التوحد والصرع الذي يفقد معه عقله، فهذا لا حج عليه، لأنه غير مخاطب بأصول الشريعة باتفاق الفقهاء كما لا تصح النيابة عن المجنون مطلقاً. قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه أو قال المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يشب).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ومن كان مسلوب العقل أو مجنوناً فغايته أن يكون القلم قد رفع عنه فليس عليه عقاب، ولا يصح إيمانه، ولا صلاته، ولا صيامه، ولا شيء من عباداته ولا فرائضه ولا نوافله).
ونقل صاحب الإنصاف: لا يجب الحج على المجنون إجماعاً.
إما إن كان من ذوي أهلية الأداء فلهم تيسيرات شرعية في فريضة الحج، فقد خفف الشارع عنهم بعض الأحكام المتعلقة بمناسك الحج، ومن ذلك:
1- أجاز لهم لبس المخيط لوجود إعاقة إذا كان يشق عليه، قال الشيخ ابن عثيمين: (نعم إذاك ان الإنسان لا يستطيع أن يلبس ثياب الإحرام فإنه يلبس ما يناسبه من اللباس الآخر والجائز وعليه عند أهل العلم إما أن يذبح شاة يوزعها على الفقراء، أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، أو يصوم ثلاثة أيام.
هكذا قال أهل العلم قياساً على ما جاء في حلق الرأس حيث قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (196) سورة البقرة.
2- اتفق الفقهاء على أن المعاق حركياً سواء كان مشلولاً، أو جزئياً أو مشلول الرجلين، أو اي إعاقة لا يستطيع معها المشي، وتمنعه من أن يؤدي مناسك الحج والعمرة، أنه لا يجب عليه أداء فريضة الحج بنفسه. فقد ورد في بدائع الصنائع: (فلا حج على المريض والزمن والمقعد..) وجاء في المعونة: (فأما الاستطاعة فإنها شرط في الوجوب لقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (97) سورة آل عمران، وهي عندنا القدرة على الوصول إلى البيت، وفعل المناسك بكل ما أمكن ذلك معه من قوة ومشي ومال)، ولكن يلزمه أن ينيب من يحج عنه إذا كان العاجز مستطيعاً مالياً؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع أن يستوي على الراحلة فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال: (نعم) أخرجه البخاري، وفي رواية: (فحجي عنه) أخرجه مسلم. جاء في فتاوى اللجنة الدائمة عن (المعوق) أصيب بمرض في صغره وأعاقه عن المشي تماماً فأجابت اللجنة: (إذا كنت عاجزاً عجزاً بدنياً لا يرجى برؤه فيجب عليك إن كان لديك مال أن تدفع منه لشخص قد حج عن نفسه ليقوم عنك بأداء فريضة الحج والعمرة، من حيث وجب عليك).
3 - الأخرس ومن عنده اضطرابات النطق إذا كان لا يستطيع أن ينطق بسبب إعاقة النطق بمرض، أو خرس، فيرى الإمام أحمد أنه ينيب من يلبي عنه، وقال ابن تيمية: (وظاهره: إنه إذا عجز عن الجهر يلبي عنه) يدل على ذلك ما رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه أنه قال: حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان، فلبينا عن الصبيان، ورمينا عنهم).
4- يجوز للعاجز الاستنابة في رمي الجمار.
فذو الإعاقة يحرم من الميقات المخصص لجهة قدومه - شأنه شأن بقية الحجاج - وإن تعذر عليه الإحرام فعليه ستر جسده بما يتيسر له، ثم يسير إلى منى يوم التروية - إن تيسر ذلك - وإلا فالمبيت سنة ولا شيء عليه، وفي اليوم التاسع عليه الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس ثم يبات في مزدلفة ثم بعد ذلك يجوز له لضعفه أن ينفر في منتصف الليل ورفقته تبع له في ذلك، فيذهب ويرمي جمرة العقبة قبل ازدحام الناس ثم يطوف طواف الإفاضة إن شاء أو يأخره مع طواف الوداع، ويطوف بالعربة إن لم يستطع المشي، أما المرأة الأولى أن تطوف الإفاضة فوراً خوفاً من العذر الشرعي، ثم بعد ذلك يوكل من يذبح عنه ويقوم هو بالحلق أو التقصير ثم يبيت في منى ويجوز لمن كان ذو إعاقة حركية أو بصرية بأن يوكل من يرمي عنه وإن رمى بنفسه فهو أفضل.
أركان الحج يجب على ذوي الإعاقة أدائها فإن سقط ركن من الأركان فحجه غير تام، أما الواجبات فإن لم يقم بها فعليه الكفارة وإن لم يستطع أدائها فتسقط عنه ولا كفارة عليه.