ماجد بن عبدالرحمن الحمود ">
لا أظن أن أحدًا لم يتأثر بمقاطع الفيديو التي تنتشر بين فترة وأخرى في وسائل التواصل الاجتماعي بخصوص الإسراف في الطعام، ومن ثم رميه بلا احترام للنعمة أو إدراك لخطورة ذلك، والمشكلة أن تفاعلنا يتوقف أحيانًا عند حد تدوير هذا المقطع عبر وسائل التواصل الاجتماعي لمشاهدين آخرين، وتبقى مشكلة الإسراف في الطعام ورميه قائمة بلا حل حقيقي للمشكلة.
ولا أظن أن أحدًا يجهل خطورة الإسراف والتبذير في الطعام والشراب، وإهانة النعمة برميها مع بقية النفايات في حاويات القمامة. ولا أظن أن أحدًا يجهل الحكم الشرعي لهذا التصرف، أو الآثار المترتبة على ذلك التي ظهرت في دول ليست ببعيدة عنّا كانت مضرب المثل في الغنى والبذخ والثراء، ثم صار أبناؤها يبحثون عمّا يسدون به جوعهم من حاويات النفايات.
ولا أنكر هنا تلك الجهود الطيبة التي تبذلها جمعيات حفظ النعمة وغيرها من الجمعيات الخيرية، إلا أن جهود تلك الجمعيات تبقى محدودة ولا تستطيع السيطرة على المشكلة، ولكم أن تتخيلوا كمية الأطعمة والمشروبات الصالحة للأكل فقط التي ترمى في حاويات القمامة يوميًا من المطاعم، والفنادق، وقاعات الأفراح التي يمكن الاستفادة منها بتوزيعها على الأسر المحتاجة والفقيرة.
إن المشكلة خطيرة جدًا، والحلول لها ما زالت دون المأمول، والتوعية بخطورتها والحلول التي يمكن الاستفادة منها قد أُشبعت طرحًا وتعليقًا من العلماء والإعلاميين وغيرهم، وما زلنا بحاجة للمزيد، لكن يبقى السؤال الأهم، من يبادر لحل هذه المشكلة؟
إننا بحاجة لمن يبادر لحل هذه المشكلة، فلقد وصلنا لمرحلة نحتاج فيها لمسؤول يبادر بقرارات شجاعة وجريئة لحل هذه المشكلة من جذورها، ويحتسب الأجر عند الله بحفظه للنعمة وإكرامه لها، ويُلزم - على الأقل - أصحاب الفنادق وقاعات الأفراح والمطاعم بإرسال بقايا الأكل لجمعيات حفظ النعمة، وعدم رميها إطلاقًا في حاويات القمامة، ويحاسبهم على ذلك. ونحتاج لمسؤول يؤسس لمشروعات تهتم بالمحافظة على هذه النعمة عن طريق حلول علمية ومبتكرة؛ إما بإعادة تدويرها والاستفادة منها كسماد أو أعلاف حيوانية، أو ابتكار أية حلول أخرى. ونحتاج لمسؤول يقر غرامة على كل من يرمي الأكل مع النفايات، ولا يحترم نعمة كان آباؤنا وأجدادنا من قبلهم يتمنونها في وقت مضى.
وليعلم هذا المسؤول أنه ينقذ المجتمع كله من خطر عظيم يكاد يصيبنا، يقول الله تعالى في سورة النحل الآية 112 وَضَرَبَ اللَّهُ مثلاً قَرْيَة كَانَتْ آَمِنَة مُطْمَئِنَّة يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وعلينا جميعًا أن نكون مسؤولين في بيوتنا، ومسؤولين في مناسباتنا الاجتماعية، ومسؤولين في ذهابنا للمطاعم، وأن نحافظ على هذه النعمة ونشكرها، فنحن أمام الله مسؤولون عنها. ولنتذكر جميعًا قول الله عز وجل في سورة الأعراف الآية 31 وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ أنه لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ فمن يبادر؟
المبادرة تبدأ فردية بأنفسنا، ثم من حولنا حتى تصل للمجتمع بأسره، والمبادرة التي نحتاجها في أنفسنا أولاً هو استشعار خطر هذه المشكلة والعمل على حلها، والمبادرة التي يجب أن نقوم بها مع من حولنا هو الحرص على تغيير فكرة الإسراف الذي ابتلينا به، والمبادرة التي يجب أن نقوم بها جميعًا هو إيصال هذه الفكرة لكل فرد في هذا المجتمع المسلم الحريص على طاعة الله سبحانه، والمبادرة التي نرجوها من كل مسؤول مهما صغر منصبه هي أن بيده تغيير أمور كثيرة للأفضل وبالذات في هذا الموضوع متى ما شعر أنه مسؤول أمام الله أولاً، ثم أمام ولي الأمر والناس، ومتى ما أراد أن يضع له بصمة خير في دنياه وآخرته، وخير لنا جميعًا أن نوقد شمعة بدلاً من أن نسب الظلام.
- عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية (جستن)