المملكة تحرص على وحدة الأمة وتنافح عن قضايا المسلمين في المحافل الدولية ">
عرفات - واس / تصوير - حسن الدهيمان:
توافدت جموع من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر إلى مسجد نمرة أمس لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا؛ اقتداء بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم والاستماع لخطبة عرفة. وامتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته (110) آلاف متر مربع والساحات المحيطة به البالغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن.
وتقدم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، حيث ألقى سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ خطبة عرفة - قبل الصلاة - استهلها بحمد الله والثناء عليه على ما أفاء به من نعم ومنها الاجتماع العظيم على صعيد عرفات الطاهر.
وقال سماحته: «إن الله أنعم علينا نعمًا عظيمة، كلها فضل وهدى، (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا أن اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ )، وإن من أعظم النعم الهداية للإسلام والحمدلله أن هدانا للإسلام وشرح صدورنا لقبوله والدخول فيه، والحمد أولاً وآخر وظاهرًا وباطنًا سرًا وجهارًا، عدد ما خلق وملء ما خلق وملء السماء والأرض».
وأضاف «أيها المسلمون.. إن ما قلنا من عبارات الحمد والثناء والشكر، لن نستطيع أن نؤدي حق هذه النعمة أعني نعمة الإسلام، كيف نؤدي حقها وهي نعمة نقلتنا من الأسقام والكربات والأحزان إلى مكان فسيح ملؤه السرور وانشراح الصدر، ومن عالم الضلال والكفر إلى عالم الطاعة والاستقامة والهداية».
وتابع يقول: «كان العرب قبل الإسلام في ذلة وشقاء وعناء، يقول صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ الأنصار أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَة فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي)، كنا أذلاء فأغنانا الله بالإسلام كنا ضعافًا فقوانا الله بالإسلام، كنا فقراء فأغنانا الله بالإسلام، كنا في شقاء وبلاء فأسعدنا الله بالإسلام، كنا متفرقين فجمعنا الله بالإسلام، كنا في حيرة وتيه فهدانا الله إلى الإسلام، أنار به قلوبنا وشرح به صدورنا».
وقال سماحة آل الشيخ: «إن الإسلام منبع حياتنا ومصدر سعادتنا ودواء جراحنا وشفاء لمريضنا وقائدنا وهادينا إلى الصراط المستقيم ومنظم شؤون حياتنا، يقول تعالى: (قُلْ إن صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، مشيرًا إلى أن دين الإسلام دين الحق لا دين حق سواه والذي ارتضاه الله، يقول تبارك وتعالى (إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإسلام) ويقول جل وعلا (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ). وبين أن مكة المكرمة ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم نالتا عزًا عظيمًا بنزول الإسلام بهما ومهبط الوحي ومنبع الرسالة الإلهية ورضى الله بهذا الكتاب العزيز القرآن الكريم الذي هو هدى للمسلمين في دينهم ودنياهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفة تنزيل من حكيم عليم، ولمكة المكرمة والمدينة المنورة خصائص فريدة فمن خصائص مكة المكرمة أن فيها أول بيت (إنَّ أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مباركًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ) ، وفيها الحرم من دخله كان آمنًا، يقول الله جلّ وعلا (أوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا أمنًا يُجْبَى إليه ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ)، ومنها تضاعف الصلاة فيها فإن الصلاة فيها خير من مائة ألف صلاة، ومنها أنها أم القرى وكذلك هي قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها (وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)، وأنها مثابة للناس وأمنا. وأشار سماحته إلى أن العهد السعودي يتشرف قادته بخدمة الحرمين الشريفين والاعتناء بهما عناية فائقة، مؤكدًا أن هذه الدولة تميزت بخصائص عده حيث قامت على الإسلام وتطبيق كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى الله والتوحيد ونبذ الشرك، وأنها تتفق مع دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي وجدت القبول في الأرض.
وقال «أيها المسلمون ومن خصائص هذه الدولة أنها أقامت شريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستشهدًا بقول الله سبحانه وتعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وكذلك اهتمت بمكافحة الجريمة ومعاقبة مرتكبها، والمحافظة على الهوية الإسلامية والعربية وأصالاتها، كما أنها تقوم بحل مشكلات الآخرين عندما تضيق بهم الأمور وتحل المصائب، وتنافح عن قضايا الأمة والإسلام والمسلمين في المحافل الدولية وتقف أمام كل خطر محدق بالأمة»، مؤكدًا حرص المملكة على وحدة الأمة الإسلامية فيما يهم الشعوب واستقامتهم.
وأضاف «أن أعداء الإسلام يكيدون للإسلام ويتربصون به الدوائر ويكيدون لأهله لكي يدمروا الأمة ويقضوا على كيانها فمنهم أعداء خارجون عن دار الإسلام ومنهم أعداء متربصون بالإسلام يلبسون ثياب الإسلام كذبًا وزورًا، ويرفعون شعارات الدفاع عن الأمة الإسلامية لخداع الجهلة والعوام بالمخططات السيئة والخبيثة وهذا دليل واضح على أنهم لا يريدون للأمة إلا الشر والتمزيق والتشتيت».
وبشأن اليمن لفت سماحته النظر إلى أن المملكة هبت إلى نصرته بكل ما يمكن من قوة ليخلصوا هذا اليمن السعيد من ظلم الظالمين وعدوان المعتدين عندما استهدفهم الأعداء وقصدوهم بالشر والبلاء. وقال: «إن الجماعة الحوثية جماعة مجرمة آثمة ظالمة تحمل فكرًا خبيثًا سبوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفروا خليفتي المسلمين أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - في منابرهم وفي مجتمعاتهم يسبون الصحابة ويلعنونهم ويقولون فيهم ما الله به عليم من الكذب والافتراء، وقالوا في عائشة - رضي الله عنها - كذبًا وزورًا».
وتابع يقول: «جماعة الحوثي جماعة منحرفة وخبيثة مناوئة لأخلاق المسلمين مع ما يقومون به من نشر الفوضى في بلاد الإسلام ليستغل أعداء الإسلام ويستغلوا ثروتهم وخيرهم ويهددوا أمن جوارهم. وقال سماحة مفتى عام المملكة: «أمة الإسلام.. لقد نبت بيننا من أبناء السوء من عرفوا بانحراف أخلاقهم وطيش عقولهم شذوا عن جماعة المسلمين وخرجوا عنهم وكفروهم واستباحوا دماءهم بالأعمال الانتحارية فدمروا مساجد الآمنين، ونسبوا قولهم السيء ورأيهم الخبيث إلى الإسلام كذبًا وزورًا، والله يعلم أنهم لكاذبون يريدون بذلك تأخر الأمة لتكون أمة متخلفة، داعيًا إلى التصدي لهذه الفئة الضالة وردها وبيان أخطائها والتعاون لكشف خفاياها لأن وجودها في المجتمع المسلم فيه ضرر عظيم.. تبث أفكارًا في عقول أبنائنا الصغار، وارتكبوا جرائم العدوان فيجب التصدي لهذا الفكر الخبيث.
وتطرق آل الشيخ، إلى ما جاء به الإسلام من نظام عادل بين الناس جميعًا، حيث حرم التعدي والظلم، يقول صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عزّ وجلّ أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا. وقال: «هيأ الإسلام للفرد حياه كريمة يعيش كما أكرمه الله وذلك بإعطاء كل ذي حق حقه، ومن ذلك حق الدماء والأموال والأعراض وما يؤدي إلى التعدي لا سمح الله ولذلك يقول تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدًا لم يذق رائحة الجنة، كما حثّ الإسلام على الأمن فنهى أن يُروع المسلم أخاه المسلم أو يشير بالسلاح عليه فيقع في حفرة من النار».
وأكَّد أن دين الإسلام دين إيمان وعمل عقيدة وسلوك، فهو إيمان مرتبط بالسلوك وقول وعمل وما ذكر في القرآن الكريم من صلاة وزكاة وصلة رحم كل ذلك دليل على ارتباط الإيمان بالعمل وأن الإيمان وحده لا يكفي إلا بأعمال صالحة تدل على قوة الإيمان وأن هذه الأعمال الصالحة منطلقة من إيمان صحيح.
ودعا سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، الأمة الإسلامية إلى الاتحاد على عقيدة الإسلام الثابتة والانطلاق منها إلى الدعوة إلى الله.
ووجه النداء لشباب الأمة الإسلامية بأن يتقوا الله في أنفسهم كونهم عماد الأمة بعد الله وقوتها وساعدها الأيمن، وحثّهم على المحافظة على مكانة الأمة ومقدراتها والحفاظ عليها، كما دعاهم إلى أن يفكروا بعقولهم وأن يحذروا من مكائد الأعداء وأن يفكروا في تاريخهم السيء وأعمالهم الإجرامية ليعلموا حقًا أن أقوال الأعداء مخالفة لأعمالهم بقتل الأبرياء واغتصاب النساء وانتهاك الأعراض ونهب الأموال، مؤكدًا أنهم فئة مجرمة ضالة مضلة لا خير فيهم ولا بانتسابهم للإسلام والإسلام براء منهم.
كما دعا شباب الإسلام بلزوم جماعة المسلمين وألا يشذوا عنهم وأن يعيشوا مع اخوانهم ويطيعوا ويتقوا الله في أنفسهم وأن يحاولوا إصلاح بلادهم وكف الشر والشرور عن الأوطان. وخاطب علماء المسلمين بقوله: «إن الله ائتمنكم على العلم والشريعة، فعلى عاتقكم نشر هذا العلم، وأنطقوا بالحق وكونوا مع الحق». ثم وجه سماحته الخطاب لدعاة الإسلام بأن ينشروا رسالة الإسلام السامية وعقيدته الكافية وأخلاقه الفاضلة، وأن يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة والبصيرة، وأن يبينوا للأمة أن الإسلام دين البشرية كلها وأنه لا يعرف حدود وهو رسالة الإسلام العالمية، مؤكدًا أن الإسلام لا يعترف باللون ولا باللغة وإنما الدين وحدة مستدلاً بقول الله تعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم «، وقال «إن الإسلام دين عدل وإنصاف ونقاء وطهر ورحمة وسماحة، ويحمي الدماء والأموال والأعراض، ودين يرحم الكبير ويحن على الصغير ويقف مع المظلوم. وحثّهم على أن يجعلوا أطروحاتهم الإصلاحية في إطار الشريعة الإسلامية وقواعدها الشرعية.
ودعا سماحة مفتي عام المملكة رجال الإعلام إلى خدمة الإسلام وقضاياه عبر وسائلهم، وقال: «اجعلوا إعلامكم ووسائل إعلامكم في خدمة الدين وخدمة قضاياه والدفاع عنه وأحذروا أن يكون إعلامكم مشتملاً على أفكار منحرفة وآراء شاذة، جنبوا الإعلام ذلك واجعلوه وسيلة لجمع الكلمة وتوحيد صفها، اجعلوه إعلامًا صادقًا يدعو إلى الله لا إعلام يفرق الأمة».
كما دعا القادة المسلمين إلى أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتحدوا ليقفوا ضد كل التحديات التي تحاك ضد الإسلام وأهله، وقال: «نحن نحتاج إلى إخلاص وصدق وتعامل، فأعداؤكم يخططون وينظمون وينفذون وأنتم في غفلة مما يراد بكم، فاتقوا الله في أنفسكم وأجمعوا كلمتكم وأعلموا أن كل خطر يحدق بأي بلد إسلامي فإنه خطر عليها جميعًا». وحثهم بألا ينسوا ما تحت أيديهم من الشعوب والرعايا وأن ولايتهم عليهم أمانة، حاثهم على أن يؤدوا الأمانة بحقها وأن يقوموا بالقسط وأن يحكموا بالعدل ويؤمنوا حاجياتهم من وظيفة وعلاج ونحو ذلك، وأن يعاملوهم باللين مستدلاً بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «اللهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أمر أُمتِى شيئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمتِى شيئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ». وتناول سماحته في خطبته ما يشهده المسجد الأقصى في الوقت الراهن من تدنيس وإيذاء للمصلين والتضييق عليهم، وقال: «إن المسجد الأقصى اليوم يشكو إلى الله ثم إلى الأمة الإسلام مما يلقى من اليهود من تدنيس وإبعاد للمصلين وإيذائهم والتضييق عليهم، وذلك لما انشغل الناس بأمرهم واشتغل المسلمون بأخطائهم فاستغل اليهود هذا الوقت بتقسيم الأقصى وإذلاله وإهانته وإحراقه فكونوا ياعباد الله على حذر».
ووجه سماحة مفتى عام المملكة الحديث في خطبته إلى اللاجئين بأن يتقوا الله في أنفسهم وأن يعلموا أن القلوب معهم، وأن يردهم الله سالمين، داعيًا إياهم إلى الصبر والاحتساب وأن ما حدث هو من قضاء الله وقدره مستشهدًا بقول الله تعالى «مَا أصاب مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِّن قبل أن نَّبْرَأَهَا ان ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأسوأ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ».
ودعا سماحة المفتى الحجاج إلى شكر الله سبحانه وتعالى أن بلغهم الوصول إلى البلد الحرام ووجدوه حرمًا آمنًا رخاءً سخاءً، وما سخر لهم من خدمات وتسهيلات بفضل الله عزّ وجلّ، ثم بفضل قيادة هذه البلاد المباركة التي شرفها الله بخدمة ضيوف الرحمن منذ تأسيسها وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -وفَّقه الله-.
وأوصى جموع الحجيج في صعيد عرفات إلى اللجوء إلى الله في خير يوم طلعت عليه الشمس، وقال: «اعرضوا حاجاتكم وأدعو لأنفسكم بالصلاح والتوفيق وللمسلمين بالهداية واجعلوا من الحج منطلقًا لحياة جديدة مليئة بالخير والإحسان».