العدل أساس الملك ">
اعتنى مؤسس الدولة السعودية الحديثة (المملكة العربية السعودية) الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود -رحمه الله- بمرفق القضاء ومؤسساته وأخذ من اهتمامه الحظ الأوفر، وكانت الإجراءات القضائية مبسطة وميسرة تتلاءم مع طبيعة المجتمع في ذلك الوقت، ومع وجود شيء من التنظيمات القضائية غير الكافية في بعض المناطق، وتحتاج إلى مزيد تنظيم وترتيب وتوحيد مع بقية المناطق في عموم المملكة أراد الملك عبد العزيز - رحمه الله - ترتيب وتنظيم أوضاع المحاكم باتخاذ عدد من التدابير والخطوات حيث أعلن الملك عبد العزيز - رحمه الله - بجريدة أم القرى بتاريخ 1343هـ أنه عين للقضاء الشيخ محمد المرزوقي وأن الحكومة ترغب في أن ترى المختصمين يختصمان أمام القضاء ليجري حكم الشرع في القضايا بغير محاباة ولا مراوغة، وأسس الملك عبد العزيز -رحمه الله- بتاريخ 24-7-1344هـ تشكيلات لدائرة رئيس القضاة بمكة المكرمة ليتولى الإشراف على القضاء والقضاة وما يصدر عنهم من أحكام، ويشتمل التشكيل على مسميات رئيس القضاة، رئيس الكتاب، رئيس التدقيقات الشرعية، أعضاء وكتاب وخدم, وقد عين فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد -رحمه الله- رئيساً للقضاة ومشرفاً على أعمالهم في الحجاز وما يتبعه.
ثم تتابعت التنظيمات والترتيبات القضائية والإجرائية وترتيبات واختصاصات المحاكم وكتابات العدل وبيوت المال والعمل بها والتنظيمات الصادرة باختصاصات هيئات المراقبة القضائية والإشرافية على أعمال القضاة والمحاكم وكتاب العدل.
وفي غضون فترة التأسيس للقضاء وتنظيمه في عهد المؤسس تولى رئاسة القضاء في المنطقة الغربية والجنوبية الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ -رحمه الله- بينما تولى رئاسة القضاء في المنطقة الوسطى والشرقية والشمالية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية في ذلك الوقت -رحمه الله- وفي عام 1379هـ وبعد وفاة الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ - رحمه الله - رئيس القضاة في المنطقة الغربية والجنوبية أصدر الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله - أمره بتوحيد رئاستي القضاة تحت رئاسة واحدة تولاها مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ -رحمه الله- وبذلك توحدت رئاسة القضاة تحت نظر واحد مما كان له أثر إيجابي ظاهر في اتساق الأوامر والتعليمات الصادرة لقضاة المحاكم واتحاد النظر في الإجراءات وتدقيق الأحكام في عموم محاكم المملكة مما أعطى فرصة عملية نحو توحيد صيغ العمل القضائي وأنماطه وفق منهجية واحدة.
وفي عام 1390هـ باشرت وزارة العدل أعمالها ومهامها في واقع العمل وميدانه، وكان أول وزير تولاها معالي الشيخ محمد بن علي الحركان -رحمه الله- وقد كان لإنشاء الوزارة أثركبير في رعاية العمل القضائي وتطوير الإجراءات التي استقرَّ عليها عرف القضاء في ذلك الوقت التي شكلت حجر الأساس للنظام، لتتحول فيما بعد إلى أنظمة مكتوبة مثلت بمجموعها نظام السلطة القضائية حيث جاءت على مراحل زمنية متتالية، شملت نظام السلطة القضائية العام، ونظام القضاء الإداري، وإجراءات التقاضي في الموادّ المدنيّة، والتجاريّة، والأحوال الشخصية، والجنائيّة، والإداريّة.
واستمرت بعد ذلك أعمال التطوير التنظيمي الإداري في الوزارة لتضيف لبنة من الإنجاز في كل عهد من عهود الدولة السعودية المباركة حيث أكمل مسيرة التطوير البناء التي بدأها الراحل المؤسس الملك عبدالعزيز وأبناؤه البررة من بعده سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله إلى أن جاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تعاهد إكمال مسيرة البناء في مرفق القضاء وتعهده بالرعاية وترسما لهذه الخطى السامية وطواعية لهذا التوجه الكريم، سعت وزارة العدل ومنذ الوهلة الأولى بجدها واجتهادها في تنظيم الآليات اللازمة لتحقيق الإنجازات، الهادفة إلى تطوير مرفق القضاء بما يستوجبه العصر من معطيات، فقامت الوزارة بإعداد خطط وبرامج وإجراءات مختلفة استهدفت تعزيز النزاهة والاستقلال القضائي، وتطوير الأنظمة والإجراءات، وتسريع الفصل في الدعاوى، وتقليل الطلب على المحاكم، وحوسبة أعمال المحاكم وكتابات العدل، وتوفير أبنية نموذجية للمحاكم، وتعزيز القدرة المؤسسية للوزارة والجهاز القضائي.
وعن تلك الإنجازات وما تحقق في هذا العهد الزاهر قال معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني بأن المرفق العدلي في المملكة شهد العديد من الإنجازات على المستويين المحلي والدولي، جعلت عدالته في مصاف الدول المتقدمة فمنذ تأسيس هذا الكيان على يد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ومن بعده أبناؤه البررة، وصولاً لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود- حفظه الله - قامت على تحقيق العدالة للجميع، والمستمدة من الشريعة الإسلامية السمحة، فلا عدل كعدل الشريعة الإسلامية التي هدى الله تعالى المملكة لتطبيقها ولاشك أن تحكيم شرع الله تعالى في كافة شؤون الدولة في القضاء خصوصاً يعتبر مسلماً وثابتاً وراسخاً في كيان الدولة لا يقبل التنازل عن شيء منه، كما لا يُقبل من جانب آخر المزايدة عليه.
تطوير أنظمة العدالة
وبمناسبة اليوم الوطني الخامس والثمانين رصدت «الجزيرة» بعضاً من الجوانب التطويرية التي يشهدها مرفق القضاء حالياً والتي جاءت امتداداً لما تحقق لهذا المرفق منذ تأسيسه على يد المغفور له الملك عبدالعزيز حيث سارعت وزارة العدل في الآونة الأخيرة إلى تطوير أنظمة العدالة في المملكة وفق خطط إستراتجية؛ لبناء منظومة عدلية متكاملة ومتجانسة، وذلك بمواصلة تطوير هيكلة الكيان القضائي في المملكة وتهيئته وتعزيزه بالقوى البشرية والتنظيمية والإجرائية والإدارية والعمرانية والتقنية؛ وتحسين البيئة العدلية ودعم عدالة ناجزة مجودة ومتقنة.
ففي مجال التدريب العدلي عزّزت الوزارة مسيرتها العدلية بإعداد خطط تدريبية موجهة للقضاة والتي اعتمدت من المجلس الأعلى للقضاء، وشملت 17 برنامجاً تدريبياً في كل من الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام وجدة، حيث تنوعت هذه الدورات ما بين دورات تأهيلية للملازمين القضائيين، ودورات تأسيسية للقضاة الذين أتمّوا سنة، ودورات تأهيلية لقضاة (ب-ج)، ودورات في العنف الأسري، والتفتيش القضائي، والقضايا العقارية، بالإضافة إلى إقامة الملتقى السنوي الأول للقضاة الجدد.
ولنشر الثقافة الحقوقية، أصدرت الوزارة مجموعة الأحكام القضائية لعام 1434هـ في 30 مجلداً، لتسلط الضوء من خلالها على حيثيات الأحكام، وإبراز المخرجات القضائية الشرعية ودور القضاء في ترسية مفاهيم العدالة والنزاهة والشفافية، وذلك وفق مفهوم جديد لنشر الأحكام القضائية بفهرسةٍ علميةٍ جديدة، واحتوت مجموعة الأحكام القضائية على أكثر من 100 مصنف شملت القضايا الحقوقية، وقضايا الأحوال الشخصية، والقضايا الجزائية، حيث تم تناول الأحكام بطريقة منهجية متميزة؛ لتسهل على قارئها ما يبحث عنه من معلومة، فجاء كل حكم مقسماً على أربعة أقسام، وهي: موضوع الحكم، والسند الشرعي أو النظامي الذي استند عليه في الحكم، وملخص القضية، ونص الحكم، مع إصدار مدونة التفتيش القضائي الأولى، التي وافق عليها المجلس الأعلى للقضاء، والتي تضمنت جملة من الملحوظات المعتمدة من قبل لجنة فحص التقارير والاعتراضات في التفتيش القضائي، من تقارير أصحاب الفضيلة المفتشين القضائيين على أعمال أصحاب الفضيلة قضاة المحاكم خلال الأعوام 1431هـ، و1432هـ، و1433هـ، و1434هـ.وفي مجال تنفيذ الأحكام أسهمت محاكم التنفيذ في حفظ الحقوق وتعزيز العدالة، استردّت محاكم ودوائر التنفيذ في مختلف مناطق المملكة منذ مطلع العام الماضي عبر أحكامٍ حقوقية متعثرة بشأن شيكات وكمبيالات وسندات قبض وأحكام أخرى متنوعة، شملت أموالاً وعقارات ثابتة ومنقولة أكثر من (80) مليار ريال لأصحابها بالقوة الجبرية، ويبلغ عدد قضاة التنفيذ ( 334 ) قاضي تنفيذٍ يعملون في (334) دائرة ومحكمة في أنحاء المملكة، بالإضافة إلى البدء في استقبال قضايا الأوراق التجارية الناشئة قبل صدور نظام التنفيذ بتاريخ: 18/04/1434هـ، حيث باشر قضاة التنفيذ تنفيذ هذه السندات حسب المدة النظامية التي سبقت نفاذ نظام التنفيذ، وحسب التنظيمات المرعية في ذلك.
وإيماناً من وزارة العدل بأهمية التكامل مع القطاعات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بالعمل العدلي، وضمن إستراتيجيتها في تمكين التقنية في الأعمال العدلية قامت الوزارة بتنفيذ عملية الربط الإلكتروني مع (8) وزارات وجهات حكومية، شملت: وزارة الداخلية، ووزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الخدمة المدنية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، ووزارة العمل، والأمانات التابعة لوزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة التعليم، والبريد السعودي، والمؤسسة العامة للتقاعد. مع العمل على الارتباط بـ(11) جهة أخرى، تشمل وزارات ومؤسسات حكومية وهي: وزارة الصحة، والتأمينات الاجتماعية، ووزارة الحرس الوطني، وشركة المياه الوطنية، والشركة السعودية للكهرباء، وإمارات المناطق المختلفة، وهيئة السوق المالية فرع القطاع المالي، ونظام سداد للمدفوعات، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، وهيئة التحقيق والادعاء العام، كما تم إعداد الربط مع الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة).
وسعياً من قبل الوزارة لدعم الملف العدلي والقضائي بالكوادر البشرية المؤهلة، أعلنت عن عدد من الوظائف التخصصية وطرحتها للمسابقة، شملت: (كاتب ضبط، باحث شرعي مساعد، باحث اجتماعي مساعد، باحث قانوني مساعد، مترجم لغة إشارة)، تم ترشيح (526) لوظائف باحث اجتماعي مساعد ووظائف مترجم لغة إشارة، مع العمل على إنهاء إجراءات الوظائف الأخرى، بالإضافة إلى تعيين (378) على وظائف (مأمور تنفيذ، ومقدري الأملاك، ومحاسب مساعد، وأمين الصندوق، ومساح).
وفي مجال التدريب، قامت الوزارة بتدريب منسوبيها من كتاب عدل وموظفين عبر تكثيف البرامج التدريبية وعقد الدورات التدريبية المتخصصة والعلمية، إضافة إلى عدد من حِلق العمل المختلفة والتي تهتم بتأهيل ودعم وتعزيز قدرات موظفي الدوائر الشرعية في إدارة الجهد وإدارة الوقت وضغوط العمل، والتعامل مع الرؤساء والتعامل مع بيئة العمل، وتأهيل الموظفين الجدد، إضافة إلى التدريب عن طريق معهد الإدارة العامة، حيث درّبت الوزارة (5293) خلال فترة الربع الثاني من العام الحالي 1436هـ.
كما حظي أكثر من (150) كاتب عدلٍ خلال نفس الفترة بالعديد من البرامج التدريبية التخصصية التي تلامس أعمالهم التوثيقية واحتياجاتهم المهارية في التعامل مع الشركات وأنواعها، وإعداد العقود، ومهارات التحقيق، ومكافحة التزوير وغسل الأموال، إضافة إلى برامج في التحقيق والتحقيق الجنائي والإداري.
ودرّبت الوزارة ضمن خطتها التدريبية كتاب الضبط بالعديد من الدورات التدريبية التي تلامس أعمالهم، كما تم تدريب عدد من موظفي بيوت المال وموظفي محضري الخصوم، وموظفي صحائف الدعوى وكتاب الضبط، ليصل عدد المتدربين كاملاً لكافة العاملين بالوزارة والمتخصصين منهم (5443) موظفاً ومختصاً من كتاب العدل وكتاب الضبط وموظفي بيوت المال ومحضري الخصوم وموظفي صحائف الدعوى.
ودعماً لمهنة المحاماة، قامت الوزارة بالترخيص لـ(3032) محامياً كان منها خلال هذا العام الترخيص لـ(142) محامياً و(10) محاميات يعملون وفقاً للإجراءات النظامية المنصوص عليها في نظام المحاماة والأنظمة ذات العلاقة، فيما بلغت أعداد مكاتب المحاماة بالمملكة (2651) مكتباً مرخصاً لمزاولة المهنة وتشرف عليها الوزارة.
كما قامت الوزارة من أجل تعزيز العملية التوثيقية لعقود الزواج بالتصريح لـ(119) متقدماً على عمل المأذونية، فيما تم تجديد تصاريح (391) مأذوناً ليصل مجموع مأذوني الأنكحة في المملكة (5950) مأذوناً شرعياً.
وإكمالاً لمسؤولية الوزارة في التيسير على المستفيدين من خدماتها في كافة المرافق العدلية، قامت الوزارة بتوفير البيئة الملائمة لذوي الاحتياجات الخاصة في مقر الوزارة ومختلف المرافق العدلية من محاكم وكتابات عدل ودوائر عدلية، وذلك من خلال اعتماد عدد من مشروعات دعم ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، مع استكمال التوسع في مكاتب الخدمة الاجتماعية بمحاكم الأحوال الشخصية، وفي المكاتب النسائية في محاكم الأحوال الشخصية والمحاكم الجزائية.