يأتي اليوم الأول من برج الميزان الموافق لـ23 من سبتمبر من كل عام ليذكرنا بيوم مجيد في تاريخ المملكة لا تنساه الأجيال السعودية المتعاقبة، ذلك اليوم الذي توّج الملحمة الوطنية الكبرى بإعلان توحيد المملكة العربية السعودية في عام 1932م، بعد كفاح الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، الذي استمر حتى استطاع أن يوحد جميع أجزاء الوطن تحت راية التوحيد معلناً قيام المملكة العربية السعودية.
ومع حلول هذه المناسبة الوطنية الغالية على كل سعودي وسعودية نسترجع جميعاً تضحيات الآباء والأجداد الذين أسسوا وساهموا في هذا الكيان الكبير، والتي تعطينا دافعاً للحفاظ عليه وعلى المكتسبات التي حققها هذا الوطن بحكمة قادته وبسواعد أبنائه المخلصين.
وبعد توحيد المملكة وضع، المغفور له بإذن الله، الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود البلاد على مشارف النهضة الحضارية التي عاشتها وتعيشها المملكة إلى يومنا هذا في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية.
وقد استكمل أبناؤه البررة من بعده المسيرة فبنوا على الأسس التي أرساها، يرحمه الله، حيث واصل أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، يرحمهم الله جميعاً، البناء والتطوير وتحديث المملكة في شتى المجالات متمسكين دوماً بمبادئ وقيم الملك المؤسس ومدافعين عن العقيدة الإسلامية ومتفانين في خدمة الوطن والمواطن.
وإذ نستذكر تضحيات وجهود من سبق من قادة البلاد وكبار المسؤولين فيها ممن توفاهم الله عز وجل لا ننسى جهود صاحبي السمو الملكي الأميرين سلطان بن عبدالعزيز ونايف بن عبدالعزيز، يرحمهما الله، واللذين خدما الدين والوطن وقدما الكثير لهذا الوطن وتحملا المسؤولية وأديا الأمانة بكل إخلاص وتفان، فنسأل المولى عز وجل أن يتغمدهما بواسع رحمته ويسكنهما فسيح جناته.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، يحفظه الله، تواصل المملكة مشاريع التطوير والتحديث في كل المجالات وفي جميع المناطق، وتعيش المملكة في عهده، يحفظه الله، مرحلة ازدهار ورخاء وعزم على الإنجاز والتعمير والتشييد والبناء لتوفير كل سبل الرفاهية للمواطنين. فقد بدأ، حفظه الله، عهده الميمون بعدد من الأوامر الملكية التي وضعت المملكة على مشارف مرحلة واعدة بالخير والرفاه، مؤكدة حرصه، يحفظه الله، على استثمار كافة الطاقات الوطنية البشرية والموارد الوطنية المادية لخدمة الوطن والمواطن. كما حظيت المرأة السعودية باهتمام خادم الحرمين الشريفين من خلال سعيه إلى فتح المجالات أمامها لتشارك الرجل السعودي في عملية البناء والتحديث باعتبارها شريكاً في مسيرة التنمية.
وقد استطاع الملك سلمان بن عبدالعزيز، يحفظه الله، بخبرته الواسعة بشؤون السياسة والإدارة أن ينهض بالمملكة نهضة نوعية في شتى المجالات على الرغم من كل التطورات والظروف والأحداث الإقليمية والدولية التي أحاطت بالمنطقة مؤخراً. ومكّن المملكة من أن تحافظ على مكانتها عالمياً حيث إنها إحدى الدول العشرين الأكثر تأثيراً في العالم سياسياً واقتصادياً.
كما تواصل المملكة في عهده، يحفظه الله، الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية مسخرة كل ما تملكه في سبيل نصرة الأشقاء لما لها من مكانة متميزة في قلوب العرب والمسلمين ولما تتمتع به من قيادة حكيمة وأسس ومبادئ راسخة في التعامل مع قضايا الأمة مستمدة من العقيدة الإسلامية والقيم العربية الأصيلة. فتقود بدبلوماسيتها النشطة الجهود المبذولة على الصعيد الإقليمي والدولي لإحلال الأمن والسلم في المنطقة والعالم أجمع.
ومع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، دخلت المملكة مرحلة جديدة تميزت بالتصدي للمشاريع الإقليمية والدولية التي تريد الهيمنة وبسط النفوذ الأجنبي في المنطقة، وهي أخطار تنبهت لها فبادر يحفظه الله إلى الاستجابة لنداء السلطة الشرعية في اليمن الشقيق فقاد تحالفاً عربياً تمثل في عملية عاصفة الحزم لمواجهة الجماعات المسلحة الخارجة على سلطة الدولة في اليمن والتي سعت إلى الهيمنة على اليمن ومؤسسات الدولة وجعله قاعدة للنفوذ الأجنبي، ثم تلت عملية عاصفة الحزم عملية إعادة الأمل للشعب اليمني الشقيق.
وتمارس المملكة منذ تأسيسها دورها في السياسة الدولية من منطلق ثقلها الإسلامي وعمقها العربي كونها حاضنة للحرمين الشريفين اللذين يحظيان باهتمام خاص من قبل قادة المملكة، فقد شهد المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة أكبر عمليات التوسعة والإعمار عبر تاريخهما، إذ افتتح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في شهر رمضان الماضي المرحلة الأولى من التوسعة السعودية في المسجد الحرام لتمكين حجاج بيت الله والمعتمرين من أداء نسكهم بكل يسر وسهولة. وتتسارع الخطوات للانتهاء من مشروع مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة وكذلك قطار الحرمين وغيرها من مشاريع البنى التحتية التي تخدم الأماكن المقدسة.
وعلى الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي تضطلع المملكة بدور رئيسي في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، وتواصل المملكة تصديها لظاهرة الإرهاب والتي كانت هي من أوائل الدول التي عانت منه، حيث فقدت عدداً من أبنائها شهداء في العمليات الإرهابية.
ولكن المملكة تمكنت بفضل الله ثم بفضل القيادة الحكيمة والجهود الأمنية المكثفة من إحباط العديد من المخططات الإرهابية للفئة الضالة. وقد استشعرت المملكة أهمية تضافر الجهود الدولية لمواجهة الإرهاب فنظمت أول مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب كما عملت على إنشاء مركز دولي خاص لمكافحة الإرهاب تابع لمنظمة الأمم المتحدة.
وفي هذه المناسبة الغالية لا يفوتني أن أتطرق إلى العلاقات الأخوية الوثيقة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت الشقيقة والتي أكدت الأيام بأنها أصبحت نموذجاً يحتذى به في العلاقات بين الدول. فالتواصل بين خادم الحرمين الشريفين وسمو أمير دولة الكويت وكافة المسؤولين وعلى كافة المستويات مستمر مما انعكس على العلاقات المتميزة بينهما على الصعيدين الرسمي والشعبي.
ويشرفني في هذه المناسبة أن أتقدم بالتهنئة بحلول اليوم الوطني إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وإلى صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وإلى الأسرة المالكة الكريمة وإلى الشعب السعودي النبيل، داعياً المولى عز وجل أن يحفظ وطننا الغالي من كل مكروه وأن يعيد هذه المناسبة على الجميع بكل الخير وأن يديم على المملكة وشقيقتها الكويت الأمن والأمان والاستقرار والرخاء وعلى سائر الدول العربية والإسلامية.
د. عبدالعزيز بن إبراهيم الفايز - سفير خادم الحرمين الشريفين لدى دولة الكويت