فوزي صادق ">
يلقي كثير من الآباء دور الأبوة الفكرية والروحية خلف ظهورهم، ويتركونه لخارج المنزل، سواء المدرسة أو الأصدقاء! وفي النهاية سيحصد الآباء ما زرعته أيدي المعلمين والأصحاب من غرس في نفوس أبنائهم، من غير دور للآباء في تحديد هوية ونوعية معلمي أبنائهم.
ومن جهة أخرى، حرم بعضهم من الأب في صغره، وتلقائيًا حرم من حنانه، ويعد وجود أبيه بركة في المنزل، حتى لو كان صامتًا قابعًا في غرفة ظلماء، والبعض حرم من حنان أبيه مع وجوده في حياته، وإن عدمه كوجوده!، متمنيًا لو يلغى دور أبيه من دائرة أسرته، والبعض يرى أن والده عرقلة في حياته، وإنه السبب في فشله في هذه الدنيا، والبعض الآخر، يتمنى لو لم يخلق أبوه ولم يوجد هو بهذا العناء.
أما المحظوظون، وهم في مكان غبطة الجميع، فقد رزقوا بآباء نخبة وقدوة، تراهم يقلدون الأنبياء، يراعون أبناءهم من هفوة اللسان وغبار الأيام، يقفون كيلا تقع الشمس على رؤوس أبنائهم، يكرمونهم حنانًا قبل الإشباع، وتربية قبل معلميهم، يتركونهم أرضًا خصبة لتلقي علوم الأخلاق والمعرفة، ولغرس يانع يسهل على المعلم العناية به وتشذيبه.
في كلتا الحالتين السابقتين، احترام الأب مهما كانت سلبياته وأخطاؤه واجبة، ويعد عقوق الأب من الكبائر، وأهم شيء يقف عنده، عدم إطاعتهم في معصية الله، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إلى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) سورة العنكبوت.
عند العرب، يرث الابن الأكبر حاجيات أبيه الخاصة بعد رحيله، كالخاتم والحصان والخنجر والمصحف وكرسيه وعصاه التي يتكيء عليها، ولو تأملنا كيف يحترم الأب عند بعض الملل والشعوب، لوقفنا وقفة إجلال وتعظيم لتلك الشعوب، ولأمرنا أبناءها بتقليدهم بعاداتهم وتقاليدهم، ففي البلدان العربية يقبل كل أبناء الأسرة يد الأب أول النهار وآخر النهار، قبل الخروج والدخول، ولا يجوز النظر والتحليق في عيني الأب.
هنيئًا لمن يجد أباه كل صباح ويكحل عينيه برؤيته، وهنيئًا لمن يجد فرصة ليخدم أبيه، وهنيئًا لمن يزور أباه، وهنيئًا لمن يستمع ويتحدث ويحاور أباه، فمهما أخطأوا في الحياة معكم، فهم السبب في وجودكم وقراءتكم هذا المقال.