الفراق مرّ، والرحيل بلا عودة موجع وألم مضنٍ، ولاسيما عندما تكون الراحلة هي الأم التي ملأت الكون حباً ورعاية وحناناً وعطفاً.. لقد أظلم الكون في عيوني، واسود الأفق في مقلتي.. ففي يوم الثلاثاء الموافق العاشر من الشهر الحادي عشر من هذا العام لبَّت والدتي لطيفة بنت ناصر السويلم نداء ربها جل وعلا {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَة مَّرْضِيَّة فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} بعد مرض عضال، فتك بجسدها الطاهر، ولم يمهلها طويلاً.
والدتي التي كانت نبراساً لكل أفراد أسرتنا كباراً وصغاراً، ومنبعاً للخير.. وبالرغم من وطأة الألم وفداحته ظلت النهر الجاري بالعطاء والدعاء والاهتمام بنا جميعاً. عرفها الجميع بالعفة والعفاف والتقى والورع وحب الخير والترغيب فيه وصلة الرحم.. حزن لرحيلها الأباعد قبل الأقارب؛ فموتها رزية ومصاب جلل. يمثل ذلك الفقد والرحيل المر قول: (وليست الرزية فقد مال ولا فرس تموت ولا بعير.. ولكن الرزية فقد أم يحزن لموتها خلق كثير). فقد كانت لنا الأم والأخت والناصحة، تحزن بحزننا، وتفرح لفرحنا، وتشعر بآلامنا، وتواسينا، وتشد من أزرنا.. لها الفضل بعد الله في تربيتنا وتعليمنا وتوجيهنا.. كريمة معطاءة، بكاها المحتاجون والضعفاء الذين لم يكلوا ولم يتوقفوا عن الدعاء لها والبكاء على فراقها.
تقاسمت متاعب الحياة وأوجاعها وضغوطها مع والدي حتى رحل إلى جوار ربه.
إن الحديث عن سيرة والدتي التي زرعت فينا كل خصال الخير والمحبة وصلة الرحم سيُطيل بي المقام؛ فهي كالشمس التي رحلت، وبقي ضياؤها بعد غروبها. يقول الشاعر وقد لامس بكلماته شغاف القلب:
تولت وأبقت بيننا طيب ذكرها
كباقي ضياء الشمس حين تغيب
ولكن هي مشاعر لو استطعت لكتبت أحرفها بدمعي لأحرق الدمع وأوراقي حزناً وأسى، ولكني أفزع لربي الرحمن الرحيم أن يتغمدها بواسع رحمته، وأن يجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأن يجازيها عنا أحسن الجزاء.. فجرح الفراق غائر، والدمع في المقل واقف، تستدعيه الذكرى كلما جاء ذكر اسمها في أحاديثنا.
رحمك الله يا أمي رحمة واسعة، وجمعنا بك في الفردوس الأعلى مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.. وجبر كسر قلوبنا برحيلها، وأعاننا على برها والعمل بوصيتها التي كمنت في اجتماعنا وترابطنا وتواصلنا.
وإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا {إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ}.
كتبه/ ابنها الطامع في برها: عبدالعزيز بن سليمان الحسين - مدير مدرسة ملهم الابتدائية