ثناء الفتى يبقى ويفنى ثراؤه
فلا تكتسب بالمال شيئاً سوى الذكر
فقد أبلت الأيام كعباً وحاتماً
وذكرهما غض جديد إلى الحشر!!
لقد صدق من قال: الكرماء هم سادات الدنيا، وهذا لا شك فيه مدرك بين أفراد وجماعات كل مجتمع، فالكريم محبوب ومكرم حيث حل أو سار تلذ الأسماع لذكره وصوته، وتأنس الأبصار لرؤيته، وهذه الصفات من أكبر النعم على من تحلّى بالكرم، وبالسخاء المتواصل والإحسان لعامة الفقراء والمحتاجين من أيتام وأرامل، وغيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصة والعامة معا، وهذه الصفات الحميدة مجتمعة في وصف ابن حائل البار الشيخ الفاضل علي بن محمد الجميعة (أبو فهد)، الذي قلّ أن تجود الأيام بمثله عطاءً باذخاً وشاملاً في مجالات عدة خيرية وإنسانية، الذي توارى عن الوجود وعن محبيه، حيث تزامن طلوع روحه من جسده الطاهر مع طلوع فجر وإشراقة شمس يوم الأحد 15 /11 /1436هـ، وقد أديت صلاة الميت عليه بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، بعد حياة حافلة بإخلاص العبادة لله وبالبذل السخي في أوجه البر والإحسان، وقد ترعرع وشب في أكناف مدينة حائل - مهوى رأس حاتم الطائي المشهور بالكرم، وقد أثرت صفات حاتم الكريمة تلقائياً على الشيخ على الجميعة، وعلى كل من وطأت قدماه تلك المدينة الوادعة الواقعة في كبد الشمال:
لك من حاتم، وأوس، وزيد
إرث أكرومة وإرث فخار!!
فقرأ القرآن الكريم وحفظ ما تيسر منه ونال قسطاً وافراً من العلوم والثقافة والآداب، مما قوى عزمه في آخر حياته على تأليف عدد من الكتب منها متعدد الأجزاء مثل كتابة (حديثي مع نفسي) وعدد أجزائه سبعة، وقد أهداني نسخة منها مع كتابين آخرين أثناء تشريفه حريملاء منذ سنوات، وقد اشتغل بالتجارة مبكراً بخطوات وئيدة متقاربة ثم أخذت تنمو شيئاً فشيئاً، فأخذ ينفق منها ويتصدق، وكلما أنفق زاد نموها واتسع، وهذا مصداق للحديث الشريف: ما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده، وبعدما درت الدنيا عليه بأخلافها أخذ يتوسع في الإنفاق، فانهالت الأرزاق عليه والأرباح من كل جانب، وشرع في بناء عشرات المساجد في مواقع كثيرة، مع منح كل ضعيف ومعسر يقصده، ويساهم مساهمات جزلة في دعم الجمعيات الخيرية في أي مكان، كما كان يدعم النوادي الرياضية التي تحتضن الأعداد الكبيرة من الشباب في مدينة حائل وغيرها من المدن التي تعنى بهم وبتدريبهم وتوجيههم التوجيه الأمثل بالتحلي بالأخلاق الفاضلة، فهو - رحمه الله - يبذل بذلاً سخياً لإسعادهم ولأجل تشجيعهم وتحصينهم من الجنوح والانحرافات كي يصبحوا لبنات من لبنات المستقبل صالحين يقتدى بهم في بناء وطنهم، وتحبيب الأعمال الحرة لمن يرغب في مزاولتها ..، فأياديه تهمي خيراً لكل من يقصده، ولا يرد سائلاً أبداً:
له راحة بيضاء يندي بنانها
قليل إذا اعتل البخيل اعتلالها
جواد إذا أعطتك يوماً يمينه
وعدت غداً عادت عليك شمالها!!
- 2 -
فأعماله كالبدر من حيث التفت رأيتها - رحمه الله ونوّر جدثه - فهو (قامة عالية في الكرم والبذل والعطا تلامس هامتي أجا وسلمى علوا) طيب المعشر وقدوة حسنة، جم التواضع مع الصغير والكبير عاش كل عمره قريباً من القلوب حباً وتقديراً، كما تم تكريمه في مناسبات عديدة، وتتويجها بتكريم أمير حائل صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن لدعمه الأنشطة التنموية، ولي معه بعض الذكريات الجميلة في مناسبات خاصة وعامة، ولئن حالت بيننا وبينه طيات الثرى فإنّ ذكره العاطر باقٍ في طوايا النفس مدى الأيام، مختتماً هذه الكلمة الوجيزة بهذين البيتين:
لئن بليت فلا يبلى نداك ولا
تنسى وكم هالك ينسى إذا قدما
تقاسم الناس حسن الذِّكر فيك كما
تركت مالك بين الناس مقتسما!!
تغمّده المولى بواسع رحمته ومغفرته، وألهم ذويه وأخاه سالم وأبناءه وبناته وعقيلته ومحبيه الصبر والسلوان .. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف - حريملاء