سلوى بنت عبدالباقي الأنصاري ">
نستقبل في هذه الأيام موسماً من مواسم الطاعات الذي أمر الله تعالى فيه نبيه إبراهيم عليه السلام بأن يؤذن فيه للناس فقال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}، والحج فريضة فرضها الله على عباده في العمر مرة واحدة، وهو ركن من أركان الإسلام، وأيام معدودات، فيه من الفوائد والمنافع الدينية والدنيوية الكثير قال تعالى {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}.
ومن أجلّها إخلاص العبادة لله وحده بفعل الطاعات وترك الشهوات وملاذ الحياة، والإقبال على الله بقلوب خاشعة وألسِنة مكبرةٍ ذاكرة ؛ وفي الحج تتجلى أسمى معاني الوحدة في الدين بين المسلمين، حيث يجتمعون في مكان واحد بمظهر واحد وعبادة واحدة نحو خالق واحد رافعين أكف الضراعة إليه في صعيد عرفات، ذلك المكان الذي تسكب فيه العبرات وتقال فيه العثرات:
فلله ذاك الموقف الأعظم الذي
كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
إخواني وأخواتي في هذا الموقف العظيم يتحقق المطلوب وتغفر الذنوب ويرجى للعبد الجزاء الموعود، قال صلى الله عليه وسلم: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، فعلى المسلم أن يحذر من التسويف في أداء هذه الفريضة في حال الاستطاعة، فإنه لا يدري ما يعرض له لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتعرض الحاجة)، ويُعَد الحج جهاداً لا قتال فيه، لما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال: (جهادكنّ الحج)، وسمّاه جهاداً لما فيه من مجاهدة النفس ومشقة السفر وإتعاب البدن ومفارقة الأهل والوطن:
تراهم على الأنضاد شُعثاً رؤوسهم
وغبرا وهم فيها أسرُّ وأنعم
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة
ولم يُثنهم لذاتهم والتنعم
يسيرون من أقطارها وفجاجِها
رجالاً وركباناً ولله أسلموا
نعم فقد سلموا قلوبهم وأفئدتهم لله فعادوا خفافاً قال صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) خالياً من الذنوب، فهنيئاً لمن كتب الله له الحج هذا العام فأتم حجه وشكر مولاه على نعمة الإسلام وسلامة البدن وإتمام الركن.