د. محمد أحمد الجوير ">
مفردة «المتحوّلون» في عنوان هذا المقال، مستوحاة من الفيلم الأمريكي الشهير(المتحوّلون) (TRANSFORMERS) الذي تدور أحداثه حول الصراع بين الريبوتات (الإنسان الآلي) الشرّيرة والطّيبة، من أجل الحصول على مكعب موجود على كوكب الأرض من يمتلكه سوف يمتلك قوى جبارة وخارقة، ويكون الصراع للحصول على هذا المكعب، وهو في النهاية، يصور الصراع بين الحق والباطل، وقدرة الأشرار على التخفي بيننا، هذا باختصار، لكن هذا المقال سيتقمّص فكرة هذا الفيلم على وجه التقريب، وذلك لإسقاطها على ما نشهده من مشاهدات في حقيقتها، متناقضة سلوكياً وحياتياً، مما أفضت تحوّلاتها إلى انعكاسات سلبية وخطيرة على ذوات أشخاصها، فضلاً عن ما يحيط بها، بات ضررها واضح على تصرفاتها النابعة من فكرها المزاجي، تلحظ آثارها بائنة على المجتمع بشكل خاص وعلى الوطن بشكل عام، نتيجة تحولها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ولمجرد ذكر المتحولين، فقد يتبادر لذهن القارئ، أنماطاً من المتحولين في مختلف السلوكيات، التي يقودها في الأساس (العقل) وهو مناط القول والفعل.
التحول في الفكر، ليس حصراً على حضارة دون أخرى، أو عصر دون عصر، لكن هذا العصر نلحظ شطحاً متزايداً ومخيفاً في التحولات التي يقودها الفكر المنفلت في محيطنا، ولربما كان مرجع ذلك عدة أسباب ليس هذا مجال سردها، رأينا كيف يتحول جنس الإنسان، من أنثى إلى ذكر، ومن ذكر إلى أنثى، رأينا كيف يعبث الإنسان في شكله من خلال عمليات تجميلية، تغير وتبدل ملامحه؟ رأينا عبثا غير مسبوق، يعبث في المخلوقات، ويحولها من شكل إلى آخر، رأينا كيف يتقمص الشاب المسلم شخصية غيره من الجنسيات الغربية المخالفة لعقيدته، بتغيير ملامح شكله، إن بلباسه شبه العاري، أو بقصات شعره ، كل ما سبق قد لا يعنينا، ولا يهمنا في هذا المقال، وفكرته الأساسية، بقدر ماهي توطئة لما نحن بصدده، تتناغم مع مفردة «المتحولون» في عنوان المقال.
مجتمعنا بطبعه الذي نشأ عليه، مجتمع محافظ، يسير على منهج دينه القويم، وشريعته السمحة التي جاءت بالمحافظة على الكليات أو الضرورات الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل والمال) ومحور طرحنا في هذا المقال يتمركز حول (العقل) أو ما نعرفه (بالفكر) وهو ما عليه مناط التكليف ،وسنحاول التركيز هنا على العقل غير السوي أو بمعنى أدق (الفكر المتقلب أو المتذبذب) هذا النوع من العقل، يعتبر من أصعب العقول، تعاملاً وتصاحباً وتأثيراً، إذ أنك تعرف زيداً من الناس ردحاً من الزمن، وتسبر شخصيته، لا تلحظ عليه ما يدعو للريبة، وإذ بك تفاجأ به بعد فترة وقد تحول من مساره إلى أقصى المسار الآخر، يناقض ما كان عليه جملة وتفصيلاً، والأدهى وهو مناط حديثنا هنا، ما يشكله هذا المتذبذب في فكره من خطورة على مجتمعه ووطنه، وهو ما نشاهده الآن من خلال جماعات التطرف المتشكلة من شباب تم غسل عقولهم بالكامل ونقلهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والعكس، نحن هنا ومدار حديثنا حول (التحول الفكري) أمام صنفين من البشر ،اضطربت أحوالهم الشخصية، باضطراب عقولهم وتحولات أفكارهم، صنف تعرفه متدين ملتصق بالمشايخ وحلق الذكر، ولربما كان مدرس حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وقد يكون تخرج من كليات دينية، وتعرف أنه قد سجل عليه حوادث أليمة في مسيرته في ذيك الحقبة، نتيجة تشدده، كإحراقه محلات التسجيلات الغنائية من باب الإنكار التهوري الأحمق، تفاجأ به وقد تحول إلى شخصية أخرى تناهض شخصيته التي تربى عليها، وعرفه بها أقرانه، والتصقت ملامح شخصيته آنذاك في أذهانهم ومخيلاتهم، تلحظ عليه هذا التحول الفكري من خلال طروحاته الشاطحة والمصادمة لثوابت دينه ووطنه، يضرب عادات وتقاليد مجتمعه ساخرا بها تارة، فضلاً عن مطالباته بفرض قضايا، تصادم الثوابت الدينية والوطنية، تحت مظلة الحرية والمساواة مجارات للدول المتحضرة بزعمه، تارة أخرى، أغلب سمات هذه النوعية في الغالب (حلق اللحية والشارب معاً) وهو القاسم المشترك بين أفرادها شكلاً، والصنف الآخر، عكس الأول ،تجده منحرفاً سلوكياً، من أرباب السوابق اللاأخلاقية، أو الفكرية ،وقد يكون من المحكوم عليهم بقضايا أخلاقية أو إجرامية، ثم تجده في أقصى اليمين مسدل لحيته إلى سر بطنه ومقصر ثوبه، وهو قد لا يحسن التطهر من الحدث ولا الوضوء لصلاته ولا قراءة القرآن على وجهه الصحيح، ثم تجده بقدرة قادر، يتصدى للنصح والإرشاد والنقد والإنكاروقد يصل به الأمر إلى الفتوى كما رأينا ذلك ظاهراً، وهذه النوعية، الغالب عليها تحولها الفكري لمواجهة وطنها وقيادته، وعلمائه الكبار، واتهام كل من لم يوافق هواها ورموزها التي غسلت أدمغتها بالتكفير واللجوء للتفجير في العباد الآمنين وبيوت الله، هذه النوعية أكثر ما رأيناها منخرطة ومتوغلة في صفوف التنظيمات الحركية الإرهابية، وخاصة (تنظيم داعش) انقلبت على عقبها وأساءت لدين الله ولوطنها وقيادته، حتى كانت قنبلة في يد أعداء الوطن.
التحول الفكري نحو السلبية، هو في نظري، من أعظم المصائب التي ابتليت بها الأمة في هذا العصر، والحالة الماثلة لهؤلاء المتحولين من فكر إلى فكر صعوداً ونزولاً، بموجب ما لدينا من مشاهدات حاضرة، تشي بمعاناتهم من اضطرابات نفسية، أفضت بهم إلى المزاجية وعدم الثبات على حالة معينة، كل ذلك كان في الأساس بسبب بعدهم عن محاضن التربية الحسنة والمتابعة الأسرية، وارتباطهم بالمتشددين ودعاة الهوى والشر، كلا الصنفين، أحدهما وضع يده وسلم عقله لأعداء وطنه ومعارضيه، تجده إما في قنوات فضائية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يحرض ويستعدي، ويصنع من الحبة قبة، والآخر ينضم لتنظيم حركي لضرب وطنه، بدعم تحريضي وشحن عاطفي من شيخ متخف، أو داعية متحذلق اللسان، أو أكاديمي آفاك، يعتمد التدجيل والتضليل على قطيعه، وقد رأينا كيف كان دور هذا الصنف بالذات وقت سقوط الرافعة في الحرم المكي، وما خلفته من شهداء، كانت بسبب الصواعق الضاربة والرياح العاتية والأمطار، كأقرب مثال؟ استغل هذا الصنف، هذا الظرف غير الإرادي، استغلالاً مشيناً، تشم منه رائحة الشر، بقي القول، هذان الصنفان، متحولان فكرياً، هما دون أدنى شك، ظلمات بعضها فوق بعض، شرهما، ظاهر على الوطن والمجتمع، وإن كان الصنف الثاني من وجهة نظري، أشد خطراً، كون أربابه يتكلمون بلسان الدين، وهم أجهل الجاهلين...ودمتم بخير.