عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري ">
موسم من مواسم الطاعات, وأيام فاضلة كثيرة البركات, هي أفضل أيام العام على الإطلاق, وهي عشر ذي الحجة, وقد وردت في فضلها آيات وأحاديث, فعلى المسلم أن يبادر فيها بالأعمال الصالحة التي تقرّبه إلى الله تعالى.. وإليكم هذه الوقفات, سائلاً المولى أن ينفع بها:
الوقفة الأولى: أنَّ أيام عشر ذي الحجة تبتدئ من غروب شمس آخر يوم من ذي القعدة, وتنتهي بنهاية اليوم العاشر الذي هو يوم عيد الأضحى, فالبدار بكثرة الطاعات, والتشمير عن ساعد الجد بكثرة النوافل والمستحبات, وأداء الواجبات, وعدم الغفلة, قال الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله: «والعجب أنَّ الناس غافلون عن هذه العشر! تجدهم في عشر رمضان يجتهدون في العمل، لكن في عشر ذي الحجة لا تكاد ترى أحداً فرَّق بينها وبين غيرها، وإذا قام الإنسان بالعمل الصالح في هذه الأيام العشر يكون قد أحيا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة».
الوقفة الثانية: أنَّ العمل الصالح في هذه الأيام أفضل من الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله, فلم يرجع من ذلك بشيء, روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟- يعني عشر ذي الحجة-» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ). وقال صلى الله عليه وسلم: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر) صححه الألباني, قال ابن حجر رحمه الله:»والذي يظهر أنَّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه, وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج, ولا يتأتى ذلك في غيره..».
الوقفة الثالثة: أهميَّة تنظيم المسلم لوقته؛ لينال بركة الوقت, فلا تضيع أوقاته سبهللا, فمن رتَّب وقته استطاع أنْ ينوِّع في الأعمال الصالحة, ويزداد منها.
الوقفة الرابعة: أهمية التبكير إلى المساجد؛ وتلبية النداء من حيث سماع الأذان؛ ليكون من السابقين إلى الطاعات, وفي التبكير لصلاة الجماعة فضل عظيم, ولذة يستشعرها من ذاق حلاوة الإيمان, فمن كان لديه تكاسل عن الصلاة مع الجماعة, فليجعل من هذه العشر بداية يسابق فيها إلى المساجد.
الوقفة الخامسة: أنَّ جميع الأعمال الصالحة مستحبة في هذه الأيام, ومنها: برُّ الوالدين والإكثار من نوافل الصلاة, والإكثار من تلاوة القرآن الكريم, فيختمه مرة أو مرتين أو ثلاث مرات في هذه الأيام العشر, وكذلك كثرة الاستغفار, والتوبة والإنابة إلى الله عزَّ وجلَّ, وكثرة الصدقات, وصلة الرحم, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والإحسان إلى الناس.
الوقفة السادسة: فضل صيام تسع ذي الحجة لمن لم يكن حاجاً, وقد ورد أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم صام بعضها, وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يصومها, وفيها أفضل أيام العام وهو يوم عرفة, فصيامه يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده, سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة؟ فقال: «يكفِّر السنة الماضية والباقية».
الوقفة السابعة: من الأحكام المتعلِّقة بعشر ذي الحجة:
1- إذا دخلت العشر, فمن أراد أنْ يضحي, فيجب عليه ألا يحلق وألا يقص شيئاً من شعره, وألا يقص شيئاً من أظفاره حتى يذبح أضحيته, ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره في العشر متعمّداً من غير عذر, وهو يريد أن يضحي, فإن ذلك لا يمنعه من الأضحية، ولا كفَّارة عليه، وعليه التوبة إلى الله, وقد يظن البعض أنَّ المضحَّى عنه, يجب عليه أن لا يأخذ من شعره ولا من ظفره شيئاً, وهذا ظن غير صحيح, بل الذي يجب عليه ذلك هو المضحِّي لا المضحَّى عنه.
2 - أنَّ أفضل الأضاحي ما كان سميناً, طيِّباً, سليماً من الأمراض, والأضحية الواحدة تكفي الرجل وأهل بيته.
3 - التكبير المطلق يبدأ من غروب شمس آخر يوم من ذي القعدة حتى فجر يوم عرفة, قال الإمام البخاري: (كان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبِّران، ويكبِّر الناس بتكبيرهما) ولا يفهم من ذلك أنَّه تكبير جماعيٌّ, بل إنَّه تكبير بصوت مرتفع كلٌّ بمفرده, ومن صيغ التكبير, الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر, ولله الحمد. والتكبير المقيّد بأدبار الصلوات يبدأ من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق.
إضاءة: خسارة أنْ يضيِّع المرء أوقاته بلا فائدة, كيف وقد أنعم الله عليه بنعمه العظيمة, وهو لا يزال في سهو ولهو, والفائز الفالح حقاً هو الذي اغتنم أوقاته فيما ينفعه, ودخل ميدان المسابقة إلى الطاعات؛ لعله أن يفوز بجنة عرضها كعرض الأرض والسماوات, فلا تفرِّط أيها المسلم بهذه الأيام العشر, أحيها بكثرة الذكر والصالحات.
- خطيب جامع بلدة الداخلة في سدير