الأمير تركي الفيصل يُحاضر عن: (أزمة الشرق الأوسط: رؤية سعودية) بجامعة تور فيرغاتا الإيطالية ">
الجزيرة - عبد الله أبا الجيش:
ألقى صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل محاضرة بعنوان: (أزمة الشرق الأوسط: رؤية سعودية)، وذلك بجامعة تورفيرغاتا الإيطالية، وذلك ضمن مراسم الجامعة لمنح سموه درجة أستاذ الفخرية والتي قام بتسليمها لسموه عميد الجامعة جوزيبي نوفيلي بحضور سفير خادم الحرمين الشريفين في إيطاليا الدكتور رائد قرملي، وعدد من السفراء العرب، ونخبة من طلبة الجامعة، وفيما يلي نص المحاضرة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتوجه بخالص شكري لسعادة البروفيسور ماسيمو بابا لدعوته الكريمة لي لمخاطبة هذا الجمع الكريم، كما أتوجه بالشكر للبروفيسور نوفيلي لاستضافته الكريمة لي، كما يسعدني زيارة هذا المركز الموقر وهذه الجامعة العريقة وتبادل الرأي معكم..
السيدات والسادة،،
لقد طلب مني أن أتحدث عن الرؤية السعودية حول الأزمة الحالية التي تدور رحاها بمنطقة الشرق الأوسط، وهو موضوع واسع ومهم في ضوء الأحداث المأساوية التي تشهدها هذه المنطقة المنكوبة بالصراع.. ولذلك سوف أتناول في حديثي هذا الكيفية التي نقرأ بها في المملكة العربية السعودية طبيعة المشاكل والتحديات التي تواجه المنطقة، والكيفية التي نتجاوب بها مع الأزمات الحالية في إطار المبادئ التي تحكم سياستنا الخارجية.
إن الاضطراب هو سيد الموقف في الوقت الحالي في منطقة الشرق الأوسط، التي شهدت خلال السنوات الخمس الماضية تسارعاً في الأحداث وتغييراً نوعياً في طابع العنف الذي شاب هذه الأحداث، أديا بدورهما إلى تغيرات في طبيعة وديناميكية السياسات الدولية والإقليمية والمحلية التي اتخذت لمواجهتها.. ومن المبكر الآن أن نعرف أو نحدد طبيعة النتائج التي يمكن أن تفضي إليها هذه الأحداث، ولكن ما لا شك فيه هو أن هذه التغيرات ستؤدي إلى تشكُّل إستراتيجيات جديدة وإبراز فرص وتحديات جديدة بالنسبة لدول المنطقة كافة، فكل هذه الدول التي تصارع الآن للدفاع عن نفسها وتفادي حالة الفوضى التي ألقى بظلالها على المنطقة، وإن أمكن استغلال الأوضاع الجديدة للتخطيط لمستقبل آمن ومستقر.. والمملكة العربية السعودية ليست استثناء في هذا السياق.
ومن النتائج الخطيرة لواقع الفوضى الذي يسود المنطقة حالياً ويهدد مستقبلها ومستقبل دولها كافة حالة الفراغ التي يتسع مداها كل يوم بسبب تفكك الأنظمة وانفراط العقد الاجتماعي في بعض الدول العربية. هذا الفراغ هو الذي أدى إلى ظهور الأشكال المختلفة من القوى السياسية والاجتماعية والدينية، وبروز الدور الفاعل للنشطاء خارج سلطة الدول، وفتح الباب لأشكال التدخل المختلفة التي أدت إلى تعقيدات في محاولات التوصل إلى حلول داخلية للأزمات التي تعاني منها دول المنطقة، ودونكم ما تشهده دول مثل سورية واليمن والعراق وليبيا.
وحتى الآن لا نستطيع الجزم بأن نتائج هذه التوترات يمكنها أن تفضي إلى توفير أية ضمانات تذكر لمستقبل مشرق في هذه الدول، وعلى القوى الكبرى في المنطقة والقوى الدولية تقع مسؤولية ضبط الأوضاع وضمان ميلاد أنظمة وطنية وإقليمية توفر الأمن والاستقرار في المنطقة.
السيدات والسادة،،
لقد ظلت المملكة العربية السعودية، باعتبارها من القوى الكبيرة الفاعلة على المستويين الإقليمي والدولي، تحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن والاستقرار على المستوى الإقليمي باعتبارها من أولويات سياستها الخارجية وأمنها الوطني ومحدداتهما الأساسية.. وهي على عهدها في تحمُّل مسؤولية المبادرة في هذا الإطار.
وتبني السعودية سياساتها على مجموعة من المبادئ التي تُؤطر مواقف المملكة وتشكّل سياساتها في مواجهة مثل هذه الأزمات وتأثيراتها الإقليمية.
أولاً، تؤمن السعودية بالمفهوم القائل بأن شرعية أي حكومة هبة ممنوحة لها من شعبها، وأن أي حكومة تتحمَّل مسؤولية حماية وتعزيز حقوق مواطنيها وتأكيد كرامتهم والحفاظ على سلامتهم وتحقيق الرفاهية لهم.. ولذلك فإن السعودية تدعم التطورات التي تجعل الحكومات أكثر استجابة لمطالب مواطنيها وأكثر قدرة على توفير احتياجاتهم وتحقيق تطلعاتهم.
ثانياً، نحن نؤمن بشدة بمشروعية النظام العربي القائم وننظر إليه باعتباره أفضل وسيلة لخدمة مصالح الشعب العربي، ولذلك فإن السعودية تقف ضد أي نزاع مدني أو تدخلات خارجية تهدد الوحدة الوطنية أو الكرامة الإقليمية أو النسيج الاجتماعي لأي دولة عربية.. فالتوترات والفوضى ليست في صالح الشعوب وتهدد أمنها وسلامتها الداخلية والخارجية.. وفي هذا الإطار ترى المملكة أن مصلحتنا الوحيدة تكمن في أن تتجه الدول المنكوبة نحو التحول للاستقرار والتقدم بثقة نحو المستقبل.
ثالثاً، تؤمن السعودية بأن الأيديولوجيات العابرة للوطنيات التي لا تعترف بمشروعية النظام العربي الحالي أو تُشكّل تهديداً كبيراً للنظامين الوطني والإقليمي، ولذلك فإن السعودية تقف بشدة ضد مثل هذه التوجهات.
رابعاً، نحن نؤمن بشدة بأهمية وجود أفضل الروابط الثنائية بين كافة الدول العربية ما أمكن، وأن تُبنى هذه الروابط على أساس الاحترام المتبادل لاستقلالية وسيادية كل دولة، وأن تعمل الدول العربية عبر مؤسساتها الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي، وعبر الأمم المتحدة، بهدف التوافق حول القضايا العامة من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن وضمان الرقي والنمو.
خامساً، تؤمن السعودية بشدة بالقانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وبدور المنظمات الدولية في تطبيق هذه القوانين الاتفاقيات والمعاهدات، من أجل الحفاظ على السلام الإقليمي والدولي، ولذلك فهي تحترم هذه القوانين والمؤسسات وتتقيد بها.
بناء على هذه التوجهات نرى أن الأمن والاستقرار من أولوياتنا، بصرف النظر عن المدى الذي سيؤول إليه غمار الأحداث التي تدور الآن في المنطقة.
السيدات والسادة،،
إن التحدي الذي يمثّله السلوك السياسي لإيران، وتوجهه الدائم نحو العنف، مصدر قلق مستمر بالنسبة لنا.. ومن القضايا المهمة التي نهتم بها فيما يتعلق بإيران مشروعه النووي، واحتلالها لثلاث جزر تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتدخلاتها المستمرة في شؤون الدول العربية، وإثارته للنعرات الطائفية.
ففيما يتعلق بالأسلحة النووية أكدنا في عدد من المناسبات أن إيران، مثل أي دولة أخرى، لها الحق في متابعة مشاريعها الخاصة بتطوير التقنيات النووية للأغراض السلمية، ولكننا في الوقت نفسه نشدد باستمرار على أهمية أن تتوقف إيران عن سعيها لامتلاك الأسلحة النووية، وأن يدعم مشروع تكوين منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، ويتقيد بكافة المتطلبات والالتزامات المترتبة بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.. ونؤكد هنا بوضوح أن استمرار إيران في محاولاتها الوقت نفسه لتطوير الأسلحة النووية سوف يجبر غيرها من دول المنطقة على السير في الاتجاه نفسه الذي قد يؤدي إلى المزيد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومن ثم إلى المزيد من انعدام السلم وعدم الاستقرار.
ونحن لا ننظر إلى هذا الأمر باعتباره من شأن إقليمي فحسب، بل هو شأن دولي.. ولذلك فقد دعمنا مفاوضات الدول (5 +1) مع إيران، آملين أن تؤدي الاتفاقية الأخيرة إلى إنهاء الأنشطة النووية الإيرانية المهددة للسلم.. وقد رحبت السعودية بهذه الاتفاقية بناء على هذا الأمل، ولكننا في الوقت نفسه سوف نستمر في مراقبة كيفية تطبيقه وانعكاسات هذا التطبيق على سلوك إيران النووي.
وفيما يتعلق بالموضوع الثاني، أي احتلال إيران للجزر الإماراتية، نؤكد دعمنا للموقف الإماراتي، كما سبق لنا أن طالبنا إيران من قبل بقبول الحكم الذي تصدره محكمة العدالة الدولية في هذا الشأن.
ويتعلق الموضوع الثالث بالثاني من حيث إقحام إيران نفسها في السياسات الداخلية للدول العربية، تؤكد المملكة أنها لن تتهاون في هذا الأمر، باعتبار أن إغراق المنطقة في بحر الطائفية لا يقل في خطورته عن مخاطر نشر أسلحة الدمار الشامل أو الأسلحة النووية.. وفي هذا الصدد أود الإشارة إلى أنني شعرت بالغبطة إزاء تصريحات صادرة مؤخراً عن بعض المسؤولين الإيرانيين تؤكد إيمانهم بأن النزاع بين السنّة والشيعة من المهددات الحقيقية للأمن الإقليمي. هذا الاعتراف مرحَّب به من جانبنا، وينبغي أن يشجع إيران على إعادة النظر في المرآة لكي ترى نتائج سياساتها الخارجية التي انتهجها منذ عام 1979م، وتعترف على الطرف الذي يثير مثل هذه التوجهات المدمرة. ولأن الفعل يُولد رد الفعل يجب على إيران أن تعيد النظر في سياساتها تجاه الدول العربية، وأن تعلم أن تمويل التنظيمات الطائفية في كل من لبنان والعراق واليمن وسورية، وتهديد وحدتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي، لا يخدم مصلحة أي طرف.
إن السعودية تنظر إلى إيران واضعة نصب عينيها ما قد يترتب على سياساته، وليس أمامنا سوى الأمل بأن يشجع الشعب الإيراني قيادته على انتهاج مسلك أكثر حكمة وأمناً من المسلك الذي يصر على السير فيه حتى الآن، ما قد يؤدي إلى الإضرار بمصالحه ومصالح غيره من الدول، ذلك لأن تهديد دول الجوار لا يضمن بالضرورة لأي دولة الهيمنة والسيطرة على هذه الدول، بل هو أسلوب مؤدٍ حتماً إلى الهزيمة النفسية للدولة المعتدية.. لذا يجب على إيران أن تعلم أن مشروع إيران الكبرى مآله الفشل لأنه مبني على نشر التوجه الطائفي والسعي نحو الهيمنة.
السيدات والسادة،،
إن الأزمة السورية، إذا ما استمرت على الحال الذي نراها عليه الآن، سوف تمتد نتائجها إلى غيرها من الدول وتهدد السلم العالمي.. وقد فاض كيل هذه الأحداث بالفعل حتى امتدت تأثيراتها إلى أوربا، والهجرة الجماعية للاجئين السوريين إلى أوربا.
لقد بلغت الأوضاع في سورية مراحل من العنف لا يمكن السكوت عليها، وعمَّ فيها العنف والقتل والتدمير وكافة أشكال المعاناة البشرية.. وقد فشل المجتمع الدولي حتى الآن في مواجهة هذه الأزمة بطريقة مقبولة، بل أصبحت سورية للأسف منطقة نزاع بين الدول الكبرى.. ورغم أن الهدف النهائي للجميع الآن هو التوصل إلى حل آمن للأزمة، يحفظ للبلد وحدته وكرامته واستقراره ويحقق للشعب السوري آماله وطموحاته، فإن هذا الحل لا يمكن تحقيقه دون ضغط دولي حقيقي يحقق التوازن العسكري بين السلطة والقوى المناهضة لها.. ومن الوسائل التي ثبتت فاعليتها في هذا الاتجاه هو التهديد باستخدام القوة وإجبار السلطة الحاكمة في سورية على التخلي عن استخدام الأسلحة الكيماوية.. والسعودية تعلم، كما يعلم الجميع، أن عقلية بشار الأسد لا تتجاوب إلا مع استخدام القوة، وهذا لا يعني أننا دعاة حرب، أو أننا مسرورون لمناظر الدمار والمعاناة البشرية التي نراها في سورية.. فقد حرصنا منذ بداية الأزمة على أن يستمع الأسد إلى صوت شعبه، بل إلى صوت الحكمة، لتفادي كافة ما حدث حتى الآن، غير أنه ضرب بكل ذلك عرض الحائط، مصراً على توصيل بلده إلى ما هو عليه الآن، مستغلاً في ذلك غياب الإرادة الدولية.. وحيث إن كافة الجهود التي بُذلت لحل الأزمة قد فشلت، ولا تبدو في الأفق ثمة بوادر لمثل هذا الحل، فإن السعودية سوف تواصل حتى النهاية جهودها، بالتضامن مع الشعب السوري، بحثاً عن الحل السلمي الذي يعكس طموحات هذا الشعب ويحفظ وحدته ويحقق كرامته.
السيدات والسادة،،
إن الأزمة اليمنية، التي تهتم بها السعودية بصفة خاصة، لا تنفصل عن غيرها من أزمات المنطقة، غير أن تأثيراتها تُشكّل تهديداً مباشراً للأمن الوطني السعودي.
فقد ظل استقرار اليمن وهدوء أحواله، على الدوام، من الشواغل الإستراتيجية بالنسبة للمملكة العربية السعودية، نسبة للعديد من العوامل الجغرافية والتاريخية والديموغرافية والإستراتيجية.. ولذلك فقد ظل الحفاظ على سلام وأمن اليمن، وتقوية الدولة اليمنية في ظل سلطة سياسية ترعى مشاعر الصداقة والإخاء بين البلدين، وتحافظ على التوازن الوطني داخل اليمن، وتعمل على تحقيق هذه الأهداف، من أولويات السياسة السعودية.. فقد استثمرت السعودية خلال العقود الخمسة الماضية أكثر من ستين بليون دولار في اليمن من أجل مساعدة اليمن على تطوير بنيتها التحتية في كافة مجالات التنمية.. وبالإضافة إلى ذلك استضافت السعودية خلال السنوات الماضية ملايين اليمنيين الذين ساهمت تحويلاتهم مساهمة كبيرة في تحقيق الرفاهية لقطاع كبير من المجتمع اليمني.
لقد قادت «ثورة 2011م» اليمن إلى حافة الانهيار، حتى إنها أصبحت سورية أو ليبيا أخرى، غير أن السعودية وبقية دول الخليج تبنت مبادرة أدت إلى تأمين تخلي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح عن السلطة وتكوين مؤسسات انتقالية ومسار سياسي واضح الملامح نحو عقد اجتماعي جديد.. وقد ساهمت كافة القوى السياسية والاجتماعية اليمنية في حوار وطني اتفق المشاركون فيه على جملة من المبادئ والسياسات التي هدفت إلى الأخذ بزمام اليمن إلى عهد جديد من الوحدة والسلام والديمقراطية.. ولكن الحوثيين، المنتمين إلى فصيل ديني وسياسي مشارك في الحوار الوطني، انتهزوا فرصة الفوضى السياسية السائدة للتخطيط لمسار آخر لليمن، بدعم من إيران والقوى الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.. ونظراً للعداء الأيديولوجي السافر الذي تكنه هذه المليشيا المسلحة للمملكة العربية السعودية والحكومة الانتقالية الشرعية باليمن، الذي أدى إلى تهتك نسيج اللُحمة الوطنية اليمنية، وفشل كافة المحاولات التي بذلتها الأمم المتحدة للتوسط من أجل التوصل إلى اتفاق معهم لإنقاذ الدولة اليمنية وكافة المؤسسات الشرعية للدولة، لم تجد السعودية وحلفاؤها أي بديل عن إنقاذ اليمن وتحريره من هذه العصابة بكل وسيلة، وإرجاعه مرة أخرى إلى المسار الشرعي الذي اختاره كافة اليمنيين طريقاً لمستقبلهم.. ولم تكن الحرب خياراً للقيادة السعودية أبداً، ولكن السماح للحوثيين بتوطيد أجندتهم في اليمن لم يكن يعني تهديد السلم والأمن في اليمن فحسب، بل في شبه الجزيرة العربية كلها ومنطقة البحر الأحمر.. والسعودية ليست الآن في حالة حرب ضد اليمن، بل ضد قلة راديكالية متأدلجة تخدم المصالح الإيرانية القائمة على زعزعة استقرار المنطقة وترسيخ الانقسام الطائفي فيها.. وأملي أن ينتهي هذا الوضع في القريب العاجل لفتح الباب لليمنيين لمتابعة مسيرتهم السياسية الهادفة إلى تحرير اليمن وتحقيق المستقبل الآمن لشعبه.
السيدات والسادة،،
يظل الإرهاب من المهددات الرئيسة في المنطقة.. ولكن هذا التهديد لا يقتصر على داعش أو القاعدة، بل هناك العديد من الحركات التي تبرز من حين لآخر في محاولات لاستغلال الفراغ الناجم عن التحولات السياسية الكبرى التي تشهدها المنطقة.. وقد أدى فشل الإجراءات السياسية الأمريكية في العراق، وفشل المجتمع الدولي والقوى الكبرى والإقليمية في التعامل مع الأوضاع في سورية إلى بروز ما يُسمى بـ «داعش»، أو قل «فاحش»، وصفاً لما ترتكبه من فجور في حق الشعب السوري والشعب العربي والإسلامي بصفة عامة.. ومع ظهور هذه الفئة سرت موجة جديدة من الإرهاب، ولأن فكر داعش عابر للحدود في طبيعته، فهي تشكِّل تهديداً كبيراً لمفهوم الدولة في المنطقة.. والسعودية ليست استثناء في مواجهة تهديد هذه المجموعة التي ارتكبت العديد من الأعمال الإرهابية داخل الحدود السعودية.. وقد واجهت السعودية مخاطر القاعدة من قبل، وأنا على ثقة بأننا قادرون أيضا على مواجهة «فاحش».. ولتحقيق هذا الهدف في منطقتنا، وفي العالم بصفة عامة، يجب علينا أن نعمل جميعاً من أجل استئصال هذه الفئة التي تؤمن بأحقيتها في إلحاق الضرر بالآخرين لتحقيق أهدافها المدمرة.
السيدات والسادة،
مهما كان حجم التغيرات الجيوسياسية في المنطقة فإنه لن يغير من واقع النزف الدائم الذي تعيشه المنطقة منذ أمد بعيد، وأعني بذلك محنة الشعب الفلسطيني التي تقع في قلب العديد من الصعوبات التي تعاني منها المنطقة، ما يعني أن إيجاد حل دائم وعادل للنزاع الفلسطيني والعربية مع إسرائيل من الأهمية بمكان لتحقيق السلام في المنطقة.. ونحن نحمّل إسرائيل، والداعمين لها على مستوى العالم، مسؤولية الفشل المستمر في التوصل إلى حل سلمي عادل لهذه القضية العادلة.
وفي الختام، فقد نجحت السعودية وشقيقاتها من دول الخليج، في العقود الأربعة الماضية، من خلال الجهد الدبلوماسي والتحالفات الدولية والتلاحم الداخلي بين شعبها وقيادتها، في الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي. ونحن على يقين من أننا من خلال مثل هذه الوسائل قادرون على التعامل مع الأزمات التي تواجه منطقتنا، ولكن غياب القيادة الدولية، وتردد القوى الدولية في تحمُّل مسؤولياتها أديا إلى استمرار حالة التدهور في منطقة الشرق الأوسط.
نأمل أن يعود العالم إلى رشده قريباً. ولكم الشكر.