عبدالعزيز صالح الصالح ">
يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {وأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لَيشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (سورة الحج آية 28) وقال تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (سورة آل عمران آية 97) والحج هو قصد مكة المكرَّمة استجابة لأمر الله تعالى وابتغاء مرضاته لأن الطواف والسعي والوقوف بعرفة وسائر المناسك عبادة... فالحج يعتبر رياضة روحية ورحلة دينية طالبت به كافة الأديان السماوية على اختلاف أشكالها وأزمانها لما في الحج من مزايا روحية لا تنال بغير الحج وليس الحج إلى الكعبة إلا تعظيماً لبيت من بيوت الله ورمزاً إلى الأماكن المقدسة وليس ذكر الحج في آخر الأركان إلا لأنه عبادة العمر وختام الأمر وتمام الإسلام وكمال الدين حيث إن الحج فيه فوائد عديدة وإذا نوى الحاج السفر من وطنه إلى الأماكن المقدسة فإنه يستحضر أعماله ويستذكر أعماله السيئة ويحاول أن يعد نفسه للتوبة والإقلاع عن كافة الذنوب وذلك استعداداً لطهارة نفسه وقربها إلى الخير وبعدها عن شتى أنواع الشر ويدعو الله سبحانه وتعالى أن يرزقه في سفره سلامة البدن والدين والمال ويبلغه حجه على أحسن وجه وأكمله.
عندما يحرم الحاج فإن ديننا الإسلامي يريد في مثل هذه المواقف إشعار الناس بأنهم أمام الله سواء لا فرق بين غني أو فقير وهذا مظهر من مظاهر المساواة في الإسلام وكثيراً ما قصد الإسلام إلى المساواة في أكثر العبادات تأكيدا لمعنى أن الله لا يعبأ بالغني لغناه ولا يصد عن الفقير لفقره وأن القيمة الحقيقة للإنسان في نفسه وفضائله لا في ماله ولا في ملبسه ولا في جاهه فإن المسلمين كلهم يشعرون بالمساواة ويشعرون بالأخوة التامة لا فرق بين هذا وذاك، شعارهم الدائم هو التلبية فأحياناً ينتاب المسلمين فتور في علاقاتهم مع بعضهم البعض تستمر لها وقتا، فكلما تفاقمت كافة السبل بين المسلمين وسادت بينهم الاختلافات والمنازعات والتحزبات فيما بينهم جاء الحج في نهاية كل عام ليجمعهم على صعيد واحد وشعائر واحدة.
وهذا المؤتمر العالمي الرباني المجرد من شتى سلطاته الدنيوية كل عام يدربنا رب العباد على الوحدة والاتحاد فيما بين المسلمين قاطبة حيث إن الحج يعلمنا الحوار مع النفس والحوار مع الآخر بلسان حال واحدة بلا رفث ولا فسوق ونحن في هذه البلاد الخيرة كجزء من جسد الأمة الإسلامية إن لم نكن رأسها بحكم وجود الأماكن المقدسة على أرضها.
فاللحمة التي يكونها الحج في فئات المسلمين ما زالت موجودة في مجتمعنا السعودي حيث إنها نمت مع نمو وطننا المعطاء سياسياً واجتماعياً وعندما اتسع الوطن وأصبح تحت الضوء العالمي وكبرت إنجازاته وإنسانيته وقنوات حواره وتنوعت وتوسعت حتى أصبح الحوار بصوت عال متزن تلبية لمكانة بلادنا في قلب العالم الإسلامي ونبض العالم هنا تتساوى أفراد الأمة قاطبة، وهنا يقوم المرء قيمته الذاتية فلا فضل لأحد على أحد بماله أو جاهه أو أي عرض من أعراض الدنيا إنما قيمة المرء ما كسب من خير ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وقد يكون أشعث أغبر وهو عند الله خير من ملك متوج وغني مترف فإذا تمت هذه الأعمال ونزل الحجاج إلى مكة المكرمة فطافوا بالكعبة طواف الإفاضة وسعوا وتحللوا وبذلك يتم الحج.
هذا ما اتسع له الوقت من الحديث عن هذا المؤتمر العالمي موسم الحج أعاده الله على المسلمين والأمة الإسلامَّية بالخير والسعادة والعزة.