تركي بن إبراهيم الماضي ">
وردَ في صحيح مسلم وغيره عن موسى بن علي عن أبيه قال.. قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس فقال له عمرو أبصر ما تقول، قال أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك».
ظل هذا الحديث في بالي منذ أن قرأته أول مرة منذ سنين طويلة. كنت أرى فيه الوصفة المثالية، لما يُمكن أن يكون عليه المجتمع، أي مجتمع إنساني.. لأنه يجمع الحكمة بأطرافها: الحلم، الاستدراك، المنعة، الرحمة، ودفع الظلم.
ثم في وقت لاحق، كنت أتأمل هذه الجملة تحديداً «إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة».. فوجدتها تقدم الوصفة السليمة لكيف يمكن أن تدير أزمة ما أو كارثة حلت بمجتمع ما.. وهي جملة تلخص كل النظريات حول إدارة الأزمات، لأنها تضع الأساس للتعامل مع الأزمة الطارئة: الحلم الذي يأتي من الصبر، وهو ما يجعل متخذ القرار عاقلاً ومدركاً للأزمة، ثم يلي ذلك الإسراع في الإفاقة من المصيبة، وهو يتطلب أن يكون القائد أو مدير الأزمة منتبهاً للأزمة ذاتها، أي أن لا يكون منغمساً ومستغرقاً في اللحظة الراهنة، لأن استغراقه في اللحظة الراهنة يُؤدي إلى توليد أزمات أخرى ناتجة من الأزمة الرئيسة.
في دول العالم الأول، وليس الروم وحدها فقط، فإن إدارتها للأزمات في الغالب تنطلق من هذه القاعدة الذهبية «الحلم، وسرعة الإفاقة بعد مصيبة»، وهو ما رأيناه في مشاهد عدة.
أما في دول العالم الثالث، فإنها تغرق في أزماتها، لأن إدارتها للأزمة تظل تدور في فلك تبادل الاتهامات بين الأطراف المسئولة، ثم تستغرق جهدها في تبرئة نفسها دون أن تقدم حلولاً لهذه الأزمة. أي أنها تبدأ المحاسبة قبل أن تحل الأزمة القائمة.. وهو ما يجعل الأزمات تتكرر بنفس الطريقة، ويتكرر معها تصاريح البراءة من كل طرف مسئول.
وعودة أخيرة إلى الحديث الوارد في أعلى المقال، فإن اختصاص الوصف الوارد في حديث الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه لا يعني أنه مختص في الروم لوحدهم - وإن كان اختصاصه الزماني في الحديث مفهوماً - إلا أن تبادل الخبرات والتجارب بين الشعوب أدت إلى تطور شعوب كانت تُعد من الشعوب المتخلّفة والهمجية في زمن سابق، وهو ما يجعل شعوباً أخرى لها نفس الخصائص الواردة في وصف الروم في تلك الفترة.
وخلاصة القول:
لا يمكن لأي مجتمع أن يجنِّب نفسه الكوارث أو الأزمات، لكنه يستطيع أن يمنع حدوثها مرة أخرى!