خالد الدوس ">
لا شك أن المدرسة تعد ثاني مؤسسة اجتماعية بعد النسق الأسري من حيث أهميتها البنائية والوظيفية، ومكانتها في التأثير على سلوك الطفل ورعايته وصقل شخصيته وتنمية مهارته ومواهبه، وتزويده بالمعلومات والمعارف وتعزيز قيمه التربوية، وكما هو معروف فإن المدرسة بيئة اجتماعية مليئة بالانفعالات والمثيرات والضغوط والتفاعلات الاجتماعية، ومن خلال هذه العمليات قد يتعرض الطلبة لبعض الصعوبات والمشكلات والمثالب المدرسية التي ربما تؤثر على تفاعلهم وقدرتهم على التكيف السليم داخل المناخ التعليمي، وبالتالي تظهر بعض (السلوكيات اللا تكيفية الشاذة) التي قد تعرقل سير العملية التعليمية، وتقف عائقاً في تحقيق أهدافها التربوية وغاياتها السامية، ولعل من أهم الظواهر السلبية التي تحدث في البيئة التعليمية، وتهدد نظامها التربوي.. ما يسمى (بالعنف المدرسي).. وهذا المفهوم الذي يعرفه علم الاجتماع المدرسي (بأنه مجموع السلوك غير المقبول اجتماعياً بحيث يؤثر على النظام العام للمدرسة، ويؤدي إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي).. وللعنف المدرسي مظاهر وأشكال.. ومنها (العنف البدني) كتسلط المعلمين واستخدام العقاب والإيذاء الجسدي ضد الطلاب، والشجار والمنازعات والخصام بين التلاميذ وحتى بين المعلمين، و(العنف المادي) مثل التخريب داخل المدرسة، والكتابة على الجدران، والعبث بممتلكات المدرسة، و(العنف الرمزي) كالسخرية والاستهزاء والاحتقار، و(العنف اللفظي) كالسب والشتم وإطلاق الألقاب المخلة بالأدب وكرامة الإنسان». وتعد ظاهرة (العنف المدرسي).. ظاهرة نفسية اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية غير أنها تختلف في معدلاتها ونسبها من مجتمع لآخر.. طبقاً للوعي المجتمعي والعمق الحضاري والبعد الثقافي.. ومجتمعنا السعودي -الذي يعيش مرحلة شبابه في وقعنا المعاصر باعتبار أن ما يقارب 65 % من تركيبته الديموغرافية - (السكانية) - هم من فئة الشباب.. من المجتمعات الإنسانية التي تعاني من وجود هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة داخل المناخ التعليمي، والعنف المدرسي ومظاهره (البدني واللفظي والرمزي والمادي).. ناتج عن وجود خلل في مراقبة الأبناء ورعايتهم وحسن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة، بالإضافة إلى تدهور الأساليب التربوية المدرسية وتنشئتها الخاطئة في معظم الأحيان، والتعامل بالقسوة داخل البيئة المدرسية، والتفرقة في المعاملة بين اأبناء داخل النسيج الأسري.. قد تخرج أجيالاً معادية للمجتمع ومتمردة على قيمه ومعاييره الاجتماعية الأصيلة، أو كما يسميها علماء الاجتماع (الانومي)، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والخصائص النفسية والعقلية والاجتماعية التي ربما تقود إلى انتشار فيروسات العنف المدرسي، ويمكن تفسير هذا السلوك الانحرافي من منظور «علم النفس الاجتماعي» بأنه ناتج مع خلل وظيفي في التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والثقافية أفرزت -كيميائياً- مثل هذه التصرفات المناهضة، والممارسات الخاطئة، والسلوكيات العدائية، وبالتالي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بأحد العناصر المدرسية الرئيسة (الطالب- المعلم- الممتلكات المدرسية).. والأكيد أن ارتفاع معدلات هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة تشكل معوقاً للعملية التربوية التعليمية، وهدماً للقيم الأخلاقية.. وبالتالي خطراً يهدد البيئة المدرسية ويعيقها من القيام بأدوارها التعليمية والتربوية والثقافية..
وفي هذا السياق تؤكد نظرية التعلم الاجتماعية (النمذجة) على أن العنف ومظاهره.. سلوك ليس فطريًا بل «يكتسبه» الفرد ويتعلمه من خلال الملاحظة والنمذجه أو التقليد.. فالسلوكيات التي يتعلمها الفرد من خلال ملاحظته للآخرين وتقليده لهم.. ومشاهدة النماذج العدوانية لها أثر بالغ في تعلم الفرد السلوك العدواني واكتسابه، كما أن الأسرة تعتبر من المصادر الرئيسة لظاهرة العنف المدرسي، خاصة إذا كان يسودها سلوك العنف والفوضى وعدم الاستقرار العاطفي والنفسي والعادات السيئة الأخرى سواء بين الزوجين أو بينهما وبين أبنائهما أو أسرة مفككة، بالإضافة إلى عدم (وعي) الأسرة بأهمية عملية التربية والتعليم0كما من أسباب ظهور العنف ومكروباته في البيئة المدرسية (المعلم) نفسه فهو من مصادر العنف حيث إن القصور التربوي والعلمي الذي يظهر به المعلم في معظم الأوقات.. يشكل منطلقاً أو دافعاً لبعض الطلاب غير المنضبطين نحو إثارة الشغب والفوضى والتمرد على أنظمة المدرسة لملء وقت الدرس الذي يصبح مملاً إلى درجة يفضلون فيها ممارسة الشغب والعنف فيما بينهم.. على الاستماع أو الإصغاء للمعلم وفهم الدرس، خاصة إذا كان (ضعيف الشخصية) داخل الفصل وهنا تحدث الكارثة..!!
ولمكافحة آفة العنف داخل البيئة المدرسية.. ينبغي تفعيل الحوار المدرسي ومكوناته الأدبية.. فهو صمام أمان والطريق الصحيح للحد من انتشار هذه الوباء السلوكي داخل المدرسة، وكذلك نشر ثقافة التسامح والتصافح والتعايش ونبذ العنف ومظاهره من خلال النهوض بقالب الأنشطة الطلابية التوعوية والإذاعة المدرسية، وأيضاً من الحلول الناجعة إعداد الخطط التنويرية والبرامج التربوية التي تهدف إلى وقاية الطلاب والطالبات.. وتحصينهم من الوقوع بالمشكلات التربوية.. ومن بينها التعرض للإساءة والاستغلال والعنف. وأيضا العمل على رفع الكفاءة المؤسسية للمعلمين للتعامل مع الطلبة والحد من سلوك العنف في المدارس.. عبر إعداد الدورات التدريبية التربوية والندوات الثقافية، وعقد ورش عمل متخصصة بمشاركة من مؤسسات التعليم العالي وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.. تزود المعلمين بالمهارات والأساليب التربوية الحديثة (الوقائية والعلاجية) بما يساعد في ضبط التوازن التربوي داخل المناخ المدرسي، كما يجب ألا نغفل عن دور المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية (التنويري)، وإيضاح خطورة العنف المدرسي وتأثيره على الفرد والأسرة والمجتمع.. ورفع سقف الوعي وتنمية اتجاهاته.