دأبت المملكة العربية السعودية على تحمل مسؤولياتها تجاه الحرمين الشريفين، وضيوف الرحمن، وأعدت لذلك كل ما باستطاعتها من إمكانات وخبرات، ليتمكن الحاج والمعتمر من أداء نسكه آمنًا مطمئنًا، وليرجع إلى ذويه سالماً معافى كما وفد. وكان ذلك مبعثًا وحافزًا مستدامًا لخدمة الحرمين الشريفين، ودافعًا متواصلاً لتطوير المدينتين الشريفتين: مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكذا تطوير المشاعر وتنظيمها، جاعلة السلامة والأمان مِنْ أبرز أولوياتها. ومن ثمّ انصبت الخطط على العمل الجاد المتقن، الذي لا يقبل المفاجآت، ويتفادى جُل الأخطاء. إلا أن حادثةً ما تأتي خلاف مراد حكومتنا الرشيدة وتطلعاتها، وتحدث جرحًا وتورث ألماً لوفد الرحمن وعُمّار بيت الله الحرام، كالذي جرى منذ أيام في المسجد الحرام، ونتج عنه انتقال العديد من زوار المسجد الحرام إلى جوار ربهم، وإصابة عدد آخر، ولقد رأينا الموقف الحاني والمعالجة الحازمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- تتسم بالشمولية والموضوعية، فقد أخذت القضية على محمل الجد في أقصى درجاته، فمشاهدته للحادث وآثاره عن كثب، وتفقده للمصابين، يؤكد العناية الفائقة التي توليها المملكة العربية السعودية لمكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم بادر- حفظه الله- إلى إصدار عدد من الأوامر الملكية الكريمة التي أراد من خلالها مواساة ذوي الشهداء، ولملمة جراح المصابين، وجاء ذلك متمثلا في تعويضات سخية تجبر المصاب بإذن الله، بل نالت ببركتها بعض ذوي المتوفين في الحادث فأمر- حفظه الله- باستضافتهم في حج عام 1437هـ. ويظهر جانب الحزم والتدقيق في تحميل المسؤوليات، فالحادثة وإن لم تكن جنائية؛ إلا أن حفظ الحقوق مقدم، وتحمل المسؤوليات الناتجة عن التقصير أمر لا بد منه. فلا مجال للتساهل، ولا لتعريض أرواح الآمنين للخطر، ولاسيما في أشرف البقاع على وجه المعمورة. إن حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفظه الله- تقدم لنا النموذج الأمثل، والقدوة التي ينبغي أن تحتذى في الإتقان والحزم والمعالجات الإنسانية، إنه سلمان الخير، القائد البصير، الذي عرفته بلادنا المباركة طيلة العقود الماضية، لا تزال مواقفه وتوجيهاته بمختلف أحوالها تظهر جانبًا مما يتمتع به- حفظه الله- على الصعيد الإداري والقيادي المتسم بالحزم والإتقان، بالإضافة إلى حرصه الكبير على كيان المملة العربية السعودية وشموخها، وتعزيز نجاحاتها ومكتسباتها، بحيث لا تدع للشامتين أو الكارهين مدخلاً أو ثغرة تنال من المملكة، أو تؤثّر على صفاء نهضتها التي أضحت مضرب مثل القاصي والداني. وما هذه الحادثة - رغم وقعها الأليم على النفوس- إلا أنها جانب من القضاء والقدر الذي لا مردّ له ولا دافع، وإنما النجاعة في معالجتها تتأتّى من خلال التحقيقات الواقعية الجادة، مشفوعة بأخذ الدروس والعبر للمستقبل. ووقوفًا عند حادثة سقوط الرافعة؛ فإن كل مواطن ومواطنة ليرفع أسمى آيات العزاء لذوي الشهداء والمصابين، راجين للمتوفين الرحمة والغفران، وللمصابين شفاء تامًّا لا يغادر سقمًا، بل نرفع عزاءنا الحار إلى مقام خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله-، فهذا مصاب المملكة كما أنه مصاب إخواننا زوار بيت الله الحرام. سائلين المولى عزوجل أن يديم التوفيق والسداد لقيادتنا الرشيدة، وأن يحفظ الحجاج والمعتمرين ويعيدهم إلى بلادهم سالمين غانمين.
د. عبدالرحمن بن محمد العاصمي - مدير جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز