في صحيح البخاري في كتاب الحج، باب: فضل الحج المبرور عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم أي؟ قال: جهاد في سبيل الله. قيل: ثم أي؟ قال: حج مبرور».
وعن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: لا، لكن أفضل الجهاد، حج مبرور».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه».
وفي غيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
هذه الآثار تضمنت: عملاً مطلوباً هو الحج، ومرتبته، وشرطه، وثوابه.
فمرتبته أنه: الثالث في درجات العمل الصالح.
بعد الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيل الله تعالى، هذا لعموم الرجال، وفي حق النساء خاصة، فمرتبته: أنه أفضل الجهاد؛ أي هو العمل ذو الرتبة الثانية في الفضل نسبة إليهن.
وشرطه: عدم الرفث، والفسوق.
الرفث: الفحش في القول والعمل، فيما يتعلق بالنساء؛ الجماع ومقدماته، فيترك ذلك كله.
والفسوق: هو الخروج عن الطاعة إلى الذنب، والفاسق هو الخارج على طاعة الله تعالى، كما قال سبحانه عن الشيطان الرجيم: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} الكهف: 50.
وهو مصطلح يستعمل في أنواع الذنوب كافة:
ففي الشرك الأكبر جاء قوله تعالى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ} الأنعام: 145.
وفي الكفر الأكبر قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} السجدة: 20.
{وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ} البقرة: 99
وفي النفاق قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} التوبة: 67. {إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} التوبة: 84.
وفي الكبائر قوله سبحانه: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} الحجرات: 11. وقوله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر».
فمن ترك الفسوق بأنواعه كلها، فحجه مبرور (خالص من الذنوب) مستحق للجنة.
ثوابه: المغفرة، ورجوعه كيوم ولدته أمه، ثم الجنة.
فليس الثواب مقصوراً على المغفرة؛ إذ تحتمل مغفرة مقيدة ومطلقة، لكن جاء أنه يرجع كيوم ولدته أمه؛ فهو مغفرة مطلقة إذن، أي من سائر الذنوب كلها؛ صغيرها وكبيرها، لا يستثنى من ذلك شيء، ومن ثم استحق الجنة ابتداء.
فإنه إذا رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فمعناه: رجوعه نقياً خالصاً دون أي شائبة تذكر، ولو صغيرة. ذلك لأن الطفل حين يولد لا يكون عليه أي ذنب، فشبه حال الحاج بعد الحج، بحال الطفل بعد الولادة، من جهة الطهر، كلاهما طاهر من الذنوب والفرق أن الطفل لم يقترف من قبل شيئاً لاستحالة ذلك، فهذا ابتداؤه، أما الحاج فقد اقترف، لكن حجه عفا أثر ذنوبه، حتى ساوى الطفل في سلامته وطهارته.
ولقوله: «المبرور». معنى مكمّل للمعنى الأول، وهو من البر، والبر: فعل الطاعة. والمعنى: الحج الذي يأتي فيه الحاج بأعمال البر كاملة، على أحسن وجه، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ فيقيم أركان الحج، وواجباته، وسننه، ويقيم الصلوات، والإحسان إلى الخلق، وإلى الوالدين والأقربين.
فإذا استكمل ركني البر: فعل الطاعات، واجتناب المعاصي، بقدر الاستطاعة، فثوابه رجوعه كيوم ولدته أمه.
د. لطف الله ملا عبدالعظيم خوجة - قسم العقيدة بجامعة أم القرى