(الإثم ما حاك في صدرك) ">
حينما تكلم المولى سبحانه في سورة الأنعام عن الأكل بين أن ما يأكله المسلم يجب أن يذكر اسم الله عليه وحثه على ذلك في ثلاث آيات متعاقبات أوسطها بقوله: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ}، مع شمولية هذه الآية لأنواع الآثام، إلا أنّ وقوعها بين آيات الأكل الحلال له مناسبة خفية نستعرضها سوياً.
إن العملية التي تحدث للطعام الذي يأكله الإنسان هي عملية معقدة جدا، ولا يستطيع الإنسان أن يتوصل إلى تفاصيلها بحساباته الشخصية. فحبّة الخبز التي تشتريها، لم تصل إليك إلا بعد أن عمل على زراعة القمح مئات الأشخاص؛ ممن زرعوه وسقوه وحصدوه ونقلوه، ثم عمل منه هذا الخبز الذي وجدته جاهزا للأكل. وهذا القمح يمر بمراحل كثيرة جدا ويعبر دولاً متعددة وأشخاصا كثرا، فهناك شق ظاهر للعيان وهو الخبز ومن يبيعه لك أو يحمله إليك، وهناك شق غائب من مراحله الأولى التي من شدة تعقيدها لا يستطيع أي أحد أن يحصر من عمل عليها ومن أين جمعت إلا الله جل جلاله.
وباطن الإثم المتأكد في الأكل يجب أن يتجنب، كمن يعلم أن من عادة بلد ما أنهم يضعون زيت الخنزير أو الكحول في مأكولاتهم، فليس للمسلم أن يأكل أي شيء في بلد كهذا دون تحرز وتأكد. والظاهر من الإثم هو ما كان معلنا عنه أنه محرم على المسلم أكله. فجاء التنبيه إلى أن الأكل إذا كان في ظاهره أنه حلال وفي مكان يعمل بالحلال فلا إشكال. لكن على المسلم أن يحتاط في الأماكن التي تكون مظنة الأكل الحرام سواء أعلن وأظهر أو أسر وأخفي.
وإذا أردت أن تعلم الضابط في الإثم فالرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الصحيح: «والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك». فالمسلم يكون حذراً في مأكله وجميع أمره بألا يأكل إلا حلالاً وإن ادّعى الناس أو تظاهروا بخلاف ذلك. وإن كثر المتساهلون أو المتهاونون عن الالتزام بشرع الله فلا يكون ذلك مدعاة للتراخي والتسويف.
واعلم أن القابض على دينه كالقابض على الجمر،كما قاله سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - واعلم أيضاً أن الدّين إنّما يأتي بالعزائم فلتكن همّة المسلم عالية، وعزيمته قوية، في اتباع الحق وإن كان ذلك مخالفا للهوى معاكسا لرغبة النفس.
الشيخ إبراهيم الأخضر بن علي القيم - شيخ القراء بالمسجد النبوي