جدة - الجزيرة:
يلقي كتاب الدكتورة هيفاء بهاء عزي «زاد» حجراً في بِركة الحراك الثقافي السعودي الساكنة بعد أن خفتت ضجة الحداثة في الساحة الفكرية وانصراف الكتَّاب والمفكرين إلى الجدل السياسي، والذي بدوره لم يكن حوارات فكرية متعمِّقة تنتمي بوشيجة للفكر السياسي كحقل معرفي بقدر ما كانت جدالات متشنجة ومتوترة، ليأتي كتاب الدكتورة عزي ليعيد ترتيب طاولة وأجندة الحوار الفكري حول مختلف قضايا الواقع السعودي والعربي الدينية والفلسفية والاجتماعية المتنوعة على نحو أكثر عُمقاً ورصانة وجدية.
في الكتاب الذي تجاوزت صفحاته الـ 300 صفحة من القطع المتوسط وفصوله الخمسة انتخبت الكاتبة المنهج التحليلي في ملامستها لقضايا تشكّل مجتمعة خارطة لأهم ما تواجهه مجتمعاتنا من إشكالات، بعضها مما يُمكن تسميته بالمزمنة مثل مكانة المرأة وموقعها في خارطة الفعل المجتمعي ودورها وحقوقها وبعضها مشاكل طارئة وآنية وإن كانت لها جذورها التاريخية كالإرهاب والتجديد في الخطاب الإسلامي، وضرورة مقاربة المنهج الفلسفي، وبين ما هو طارئ وما هو متوارث وقديم من القضايا والإشكالات، تمر الكاتبة بحذق بقضايا ظلت وستظل محل حوار لا ينتهي، كقضية إشكالية الوعي ومعادلة الأصالة والمعاصرة الفكرية الفلسفية، وقضايا اجتماعية وتربوية مثل الحجاب والعنوسة والمساواة بين الجنسين والعلاقات الزوجية وما ينبغي أن تكون عليه، والهوية اللغوية لأطفالنا في ظل الطوفان اللغوي الذي يتعرضون له من مختلف الاتجاهات الداخلية منها والخارجية.
وقد استطاعت الدكتورة هيفاء أن تطرح أفكارها حول هذه الطائفة المتنوعة من القضايا بجرأة محمودة وبشجاعة، ولعل هذا ما دفع الدكتورة أنمار مطاوع المتخصصة في فلسفة الاتصال الثقافي لأن تقول في معرض تقريظها للكاتبة والكتاب بأن كتاب «زاد» من «أكثر الكتب جدلاً، وهو يُقدم أُنموذجاً لحرية التفكير والتأمل - في إطار البُعد الثقافي المسكوت عنه وغير المنفي - لمفهوم (كيف يعيش الإنسان متصالحاً مع إيمانه المطلق)، وكما قالت فإن الكتاب يدخل في حالة صدام مع تاريخ طويل من الفكر المؤدلج «لذلك على القارئ أن يفتح عقله ويخرجه من احتجازه قبل أن يفتح الكتاب ليقرؤه».. وبالفعل فإن العقل العربي ما أضر به شيء مثل انغلاقه على أفكار مؤدلجة تعطي إجابات قاطعة ومبرمة اعتماداً على النقل المتوارث لا على العقل والتفكير والتدبُّر، مع أن الإسلام في جوهره هو دعوة إلى التفكير والتدبُّر لدرجة جعلت المفكر عباس محمود العقاد لأن يُؤلف كتاباً عنونه بـ «التفكير فريضة إسلامية».. ويُعتبر كتاب الدكتورة هناء عزي في مجمله تطبيقاً عملياً وحاذقاً لهذا النهج القرآني.
ويُلاحظ قارئ الكتاب أن الدكتورة هيفاء تعتمد على رؤية فكرية معيارية تتسم بالوسطية، فهي لا تتخذ موقفاً تغريبياً رافضة لإرثها الديني والثقافي والفكري كما أنها لا تقف موقفاً اتباعياً للفكر الديني المتطرف الرافض للتجديد.. وموقفها واضح من قضية أو معادلة التقليد والتجديد أو الأصالة والمعاصرة يلخصه قولها «إذن فالتغيير من خلال تطوير الموروث هو سنَّة طبيعية تمارسها جميع المجتمعات المعاصرة» (ص60).. لأن «اتباع الموروث الثقافي دون تطويره ما هو إلا نوع من أنواع الجمود الفكري أو العودة إلى البداية، فكيف نكون مجتمعاً حضارياً إذا لم نتخط القديم وبنظرة مستقبلية؟ (ص 60).. ورغم هذا فإن الحداثة عندها «لا تعني بالضرورة اتباع الأسلوب الغربي في الحياة.. ولكن المشكلة تكمن في العقلية العربية التي تربط بين التحديث وبين الغرب» (ص 61).
في حفل شهده عدد من المثقفين والصحفيين أطلقت الكاتبة الدكتورة هيفاء بهاء عزي باكورة إنتاجها الفكري الذي حمل عنوان «زاد» بصالة مكتبة فيرجن.. ويتكون الكتاب الذي يقع في 218 صفحة وتزيّن غلافه لوحة للفنانة التشكيلية رضية برقاوي، من خمسة فصول كل فصل منها اختصت موضوعاته المتنوعة بمجال معرفي خاص. فالفصل الأول «أبعاد فلسفية» تنوعت موضوعاته ما بين استخدام المنهج الفلسفي وتشابكات الحداثة والتراث في العقل العربي، في حين تمحورت قضايا الفصل الثاني والذي جاء تحت عنوان «اجتهادات فكرية» حول قضايا الاجتهاد في الفكر الإسلامي والمعاصرة، أما الفصل الثالث «قضايا اجتماعية وتربوية» فتناول قضايا المرأة والطفولة المتنوعة في سياق ما يطرحه واقعهما من إشكالات اجتماعية من منطلق تنويري، فيما تناول الفصل الرابع «علاقات زوجية» قضايا العلاقات الزوجية والزواج والطلاق والخلع والعنوسة في ثقافة وممارسات مجتمعنا السعودي بشفافية وبروح علمية، واختتم الكتاب فصوله بمجال تخصص الدكتورة هيفاء عن «البعد النفسي».