هبوط النفط يجبر البنوك الخليجية على تشديد شروط الإقراض للشركات الصغيرة ">
الجزيرة - الرياض:
اتجهت البنوك لتشديد شروط التسليف للشركات الصغيرة والخاصة في الخليج في علامة على أن اقتصاد دول المنطقة لم يفلت بالكامل من الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط.
وفي الأغلب استطاعت الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي التكيُّف بارتياح مع هبوط النفط.. ويعمل الإنفاق الكثيف من جانب الحكومات على استمرار النمو القوي. ولذلك، فإن الاقتراض ما زال سهلاً لكثير من الشركات في الخليج والقروض متاحة بسهولة بأسعار رخيصة جداً. والاستثناء الوحيد هو الشركات الصغيرة التي لا تتمتع بميزة ارتباطها بالحكومات من خلال حصص مساهمة.
ويقول مصرفيون ورجال أعمال إن الشركات الصغيرة تلقى صعوبة متزايدة في الاقتراض، وحتى عندما تستطيع الحصول على قرض فإن البنوك تطالبها بشروط أكثر تشدداً مثل المزيد من الضمانات والتشدد في الالتزام بالوثائق المطلوبة وتقيدها بفترات أقصر لسداد القرض.
وقال فيكرام فنكاتارامان العضو المنتدب لشركة فيانتا أدفايزورز الاستشارية التي تعمل مع الشركات الأصغر في المنطقة لتأمين الحصول على تمويل مصرفي: «هم يشددون معايير الإقراض بسبب الأثر العام لأسعار النفط المنخفضة وما أعقبه من تجميد للمشروعات ذات رؤوس الأموال الكبيرة في صناعة النفط.»
وتقول دراسة للبنك الدولي إن الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة يمثل جزءاً صغيراً فقط من أنشطة البنوك إذ بلغ في العام 2010 حوالي اثنين في المائة من قروض بنوك مجلس التعاون الخليجي.. وتعتمد الشركات الصغيرة والمتوسطة اعتماداً كبيراً على مصادر تمويل أخرى مثل الشركات المالية غير المصرفية.
لكن ما يحدث للشركات الصغيرة والمتوسطة قد يصبح في نهاية الأمر اتجاهاً يشمل قطاع الشركات بأكمله.. وما يحل بالشركات الصغيرة والمتوسطة أمر له أهميته إذ إنها تمثّل عنصراً مهماً في توفير الوظائف بدول المجلس، وتقول تقديرات رسمية إن أكثر من 40 في المائة من مجموع العاملين في دبي يعملون بها.
سيولة
ما زالت البنوك تقدم القروض بسخاء لكبار المقترضين.. وأظهرت بيانات لشركة تومسون رويترز أن حجم القروض المشتركة الجديدة في الشرق الأوسط خلال الربع الأول من العام الجاري زاد إلى مثليه مقارنة بالربع السابق ليصل إلى 23.25 مليار دولار مسجلاً بذلك ثاني أعلى مستوى فصلي له منذ عام 2008.
وما زالت أسعار الإقراض تتراجع لكبار المقترضين.. فقد اقترضت شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط ما يعادل عشرة مليارات دولار في مارس - آذار بأسعار تقل عدة نقاط أساس عن تسهيل سابق حصلت عليه عام 2010.
غير أن الشركات الأصغر الخاصة تمر بتجربة مختلفة.
ويقول داني العيد مؤسس شركة بكسل بج للتكنولوجيا الرقمية في دبي إن البنوك تزداد تشدداً.
وأضاف في مقابلته مع رويترز: «البنوك تطرح شروطاً غير معقولة تشمل عمليات توثيق تستهلك الوقت وتفرض عقوبات على دفعات السداد المبكر وفترات سداد قصيرة لتقديم القروض بجانب تقاضي أسعار فائدة كبيرة.»
وقال العيد إنه اقترض 200 ألف درهم (54500 دولار) في فبراير - شباط من منصة بيهايف الإلكترونية على الإنترنت للشركات الصغيرة في الإمارات بسعر فائدة 14 في المئة بالمقارنة مع الفائدة التي طالب بها بنك محلي وبلغت 24 في المائة.
ويقول المصرفيون إنهم أصبحوا أكثر حذراً بشأن إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة لأن انخفاض أسعار النفط قد يحرم الشركات من الحصول على أعمال جديدة.
وتجاوزت قيمة المشروعات الاقتصادية الجديدة التي تمت ترسيتها في دول مجلس التعاون الخليجي 40 مليار دولار في الربع الأول بزيادة 9.9 في المائة عن الربع السابق، وفقاً لبيانات بنك أبوظبي التجاري.
وفي حين أن الشركات الأكبر يمكنها بسهولة مجاراة التأخر في ترسية العقود أو تقليصها فإن الشركات الصغرى قد تواجه مواقف صعبة يكون الاختيار فيها بين الحياة والموت ما يجعل البنوك تتردد في إقراضها.
عوامل أخرى
إن حملة تضييق تشنها السلطات الأمريكية المعنية على عمليات غسل الأموال على المستوى العالمي أدت إلى زيادة عبء الالتزام باللوائح على البنوك التي تتعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة.. إذ يتعيَّن على البنوك بذل مزيد من الوقت والجهد في التحقق من مشروعية أموال زبائنها، وهو أمر له جدواه الاقتصادية بالنسبة للشركات الكبرى في حين أن العكس صحيح بالنسبة للشركات الصغيرة.
وفي العام الماضي أغلق بنك ستاندرد تشارترد حسابات آلاف الزبائن من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الإمارات في إطار تسوية مع السلطات الأمريكية تستهدف محاربة غسل الأموال.
وقال مصرفي كبير يتولى محافظ القروض في بنك بالإمارات: «نحن نشهد تعرض قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة للضغط في كثير من الأحيان، وأحياناً ينتج ذلك عن تغيرات في أسعار السلع الأولية، وأحياناً أخرى يرتبط بالسيولة...»
وأضاف: «ونتيجة لذلك فإن البنوك الإقليمية تراقب انكشافاتها مراقبة أشد.»
ولكثير من المصرفيين فإن السؤال الرئيس هو: ما إذا كان تشديد القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة يمثّل مقدمة لتشديد أوسع نطاقاً في سوق القروض الخليجية في وقت لاحق من العام الجاري.. ويبدو مستبعداً أن يحدث تشديد على نطاق كبير ما دامت وزارات المالية في دول مجلس التعاون مستمرة في إدارة أموالها بطريقة تتجنب الضغط على السيولة في النظام المصرفي.
وقال تشيراديب ديب رئيس تمويل الشركات والقروض المشتركة ببنك المشرق في دبي: «ما زال الاقتراض مُيسراً في السوق، لكن كثيرين يعتقدون أن ديناميات السوق تتغير بسرعة خاصة للشركات المتوسطة.. ونحن نقترب من نقطة التحول.