غادة أحمد الشريف
الأرضُ لا تموتُ، طالما أنَّ فيها أبناءَها يناضلون، ومن ترابها يولدون، وفي قلبها النابض بالحياة يَحيَون، لاتتركها ذبيحة مستباحة وتغادر؛ أيها المسافر، إلى عالم مجهول، يهجع في ما وراء المحيطات والبحار، هو موطن المستعمر الغادر، الذي احتل أرضك بالأمس، في العهود الغوابر، والذي تظنُّه اليوم، الملجأ الأرحم والأعزُّ الأكرم، أيها المهاجر، لا يزال قلب وطنك العربي الكبير مفتوحاً لتأوي إليه، رغم كلِّ الخلافات والخصومات الموجودة، ومع كل الخيانات والتخاذلات المتاحة فيه؛ إلا أنَّه انتماؤك ووطنك الرحيب؛ ومن حقك أنْ يكونَ لك موطِئ قدم آمنٍ عليه؛ وللأرض المباركة ربٌّ يحميها، كما للبيت ربٌّ يحميه، أين ومتى؟ وفي أيِّ زمان ومكان؟ بل وفي أيِّ تاريخ؛ كانت الثعالب والذئاب نظيفةً، ورفيقةً بالحِملان الضعيفة؟! حتى لو سُرقتِ الأرضُ وخُرِّبَ مافيها وعليها، حتى ولو بيعتْ للطواغيت الذين يرغمونك على أن تهاجر؛ وانعجن تراب بلدك بأشلاء أبنائك وأقربائك؛ وتضمَّخت مساحتها وحدودها وتضاريسها بقهرك ودمائك، لا تهاجر، من حقك أن تحيا وتلوذ بصدر دافئ آمن، ولكن، ليس قبل أن تعرف على أيِّ أرض ستقف، أهي مثل شامك عزيزة أبيَّة ؟، ومَن مِنَ الإمبرياليين، العنصريين والرأسماليين ستعاشر؟! ومن أجل من ستخاطر؟ أمِنْ أجل حياة أبنائك الغالية عليك أكثر من أرضك، ومن أجل أحلامك بمستقبل مشرق كريم؛ أرضك ستغادر؟! وبكرامتك ستغامر؟! حتى لو أسكنوك المقابر واستعبدوك في غياهب المناجم والمحاجر؟! وأيَّة كرامة على أرض ليست لك؟ وإلى متى ستبقى في عيونهم مُهجَّراً وعاثر؟ يا أبي وأخي وابني الحرُّ الثائر، أيها السوري الأبيُّ المحاصَر، كلنا يعرف من المقامر، فلا ينبغي لنا أنْ نترك مكاننا لشيطان نجس عابر، وإنَّ الموت الذي نفرُّ منه لماضون إليه، مهما تلونت طُرُقَه، فلا وطن للموت ولادين ولا مذاهب، غير أنَّك إذا تهدَّم بيتك وتشرَّدتَ في وطنك، وجُعتَ وتقطَّعتَ ومن ثمَّ تناثرتَ على ثرى بلدك الطاهر، فإنَّ ذلك أشرف لك ولدينك وأصلك، وأبقى لعزَّة أرضك من أنْ تُهاجِر.