الخبراء: بلدة قصيمية، سميت ابتداء بخبراء السدر، لما اتصف به موقعها من كثرة نبات شجر السدر، لكونها تستحم غطسا بسيل وادي الرمة أطول أودية جزيرة العرب، الذي يفيض على ساحتها فيغمرها بفيض من فيوض السماء الجارية على الأرض بإذن ربها. فتظهر ككوكب دري في قبة السماء، حينما تتلاطم أمواج السيل الراكد المحيط بها من كل الجهات، وعليه تنعكس أضواء الفوانيس على مساطب أبراج المراقبة المنسدلة على سورها المحيط بها. فأخصب الطمي المنقول من ما يزيد عن ثلاثمائة وادي وشعيب. تعانق مجرى الوادي من اتجاهات مختلفة، ابتداء من جبال شرق المدينة المنورة وجبال أجا بمنطقة حائل كوادي القهد، وهضاب نجد كوادي النساء. فطاب منهل منتجها من البر والتمر والذرة، حتى سارت شهرة القمح المعروف بـ(معية الخبراء) إلى خارج الجزيرة العربية كالعراق وفلسطين، ولما لم يكن من بد من حماية سكانها من أخطار السيول، خاصة أن البلدة مبنية من موضعها نفسه بالطين، والماء والرطوبة هما أكبر أعداء المباني الطينية. تجلى حسن الرعاية بأمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإخلاء بلدة الخبراء بعد تهيئة البديل بالخبراء الحديثة القائمة، والتي اتصفت بالتخطيط والتنظيم الحديث مما أكسبها صفة التميز من لدن أمين منطقة القصيم السابق الأستاذ أحمد السلطان، حينما أطلق عليها «قويصرت القصيم» لزواره «القويصرة هي الجزء الواقع بين المردف والغارب تحت سنام البعير، وتعتبر من ألذ وأفضل لحوم البعير. وبقيت الخبراء القديمة ردحا من الزمن بما في فيها، وداخلها مهملة تحت سطوة نهب مافيها من آثار عرضت ونسبت لغيرها في مهرجانات الجنادرية الموسمية. وحيث أن بداية عمارة الخبراء القديمة كما يشير بعض المؤرخين على اختلاف بينهم في تحديد التاريخ فيما بين [1115- 1140] هجرية وهو فارق بسيط. وعلى أي كان التاريخ فما مضى منه حتى يومنا هذا يزيد عن مئتي سنة وهذه المدة تقع ضمن المدة المعتمدة في نظام الآثار والمتاحف الدولي وكذلك الآثار والمتاحف والتراث العمراني السعودي ليصنف الموروث كأثر. ومن المعلوم المتفق عليه أن التراث متغير بذاته مع تغير الزمان والمكان. فالعادات والتقاليد وما تعارف عليه مجتمع من المجتمعات من استعمال لأداة من الأدوات تتغير بتغير الزمان والمكان، بينما الأثر يتصف بالثبات في ذاته مع إمكانية الثبات والتغير في المكان، كمدائن صالح تتصف بالثبات في الذات والمكان، بينمقد تنقل بعض الآثار الممكن نقلها من مكان إلى آخر مع ثباتها بذاتها، فإن اعتراها تغيير ذاتي بفعل عوامل طبيعية وتأثير الزمان بها فلا يخرجها من تصنيفها كأثر باق، ولما تتصف به الخبراء القديمة من صفة الجمع بين التراث المعماري، والأثر، وهو ما دعا وزارة المعارف حينما كان مناط بها مسئولية المحافظة على الآثار، وضع اللوحات التحذيرية من العبث في بعض المواقع لكونها مواقع أثرية بالخبراء، ولكن تلك اللوحات أصبحت أثرية بنفسها، ولم يكن لها دور بحماية الآثار المنقولة من النهب، وحينما آلت مسئولية الآثار والمتاحف والتراث العمراني لهيئة السياحة، قامت بجهد مواز مع وزارة الشئون البلدية والقروية بتهيئة الخبراء القديمة، ولا زال العمل جاريا، ولكن دون تحديد دقيق للمواقع الأثرية التي حددتها إدارة الآثار بوزارة المعارف، وأوكل الأمرللبلدية التي لم تحسن على الأقل إعادة أي شيء كما كان عليه، فأعملت الجرافات عملها بهدم منازل أقامها أشخاص ماتوا ورحل أبناؤهم من بعدهم عن البلدة قبل ما يزيد عن مائة وخمسين سنة، وأعادت بناءها بمواصفات وأطوال وتصاميم مختلفة غيرت معالمها عن ماضيها البعيد وحاضرها القريب، وعرفنا من خلال التغيير التراث المعماري لـ(تورا بورا) الذي نشاهده على الشاشات، ولا يزال فيها الكثير مما يجب حمايته والمحافظة عليه، وصيانته تحت إشراف مباشر ممن توفر فيهم معرفة كيفية ترميم المباني القديمة، وهم موجودون في مختلف مدن القصيم وغيرها من مدن نجد عامة، فإن لم يتدارك الأمر، فالأثر في الخبراء القديمة يحتضر غريقا في شاطئ المنايا تحت جنازير الجرافات.. والله ولي التوفيق.
- إبراهيم الطاسان