إشكالية السرد/الرواية وعلاقتها بالغرب كمنشأ لها إحدى القضايا التي توقف عندها الكثير من النقاد المهتمين بالسرديات، والتريث عند هذه القضية ليس بمستغرب في مرحلة مابعد الاستعمار وفي مرحلة الثنائيات التي ابتلي بها الفكر العربي منذ نهايات التاسع عشر وبدايات العشرين،
فهو امتداد لهذه الثنائية الفكرية التي اتسعت إلى الفكرانية العربية بين الأصولية والحداثة والقديم والجديد، وهو امتداد أيضا للصراع بين التراث والحديث.
وممن اهتم بهذه القضية من النقاد العرب الذين امتازوا بالبحث في السرديات العربية الناقدان عبدالله إبراهيم وسعيد يقطين، فكلاهما كتب عن هاته القضية من منظور ناقد عربي، مما جعل عبدالله إبراهيم يدرسها دراسة ضافية في كتابه (السردية العربية الحديثة-تفكيك الخطاب الاستعماري وإعادة تفسير النشأة)، ودرسها سعيد يقطين في كتابه (السرد العربي - مفاهيم وتجليات)، فاتفق الناقدان على أهمية التجديد وعدم الركون على ماهو قديم وتقليدي كما أنهما اتفقا على قيمة السرد العربي القديم والانتصار له حتى جعله يقطين: «ديوان آخر للعرب (ولنتذكر الأسمار والمجالس)، بل وهنا يمكن أن أجلي مبالغتي وأقول إنه أهم وأضخم ديوان، ولا سيما عندما نتبين أن جزءا أساسيا من الشعب العربي ينهض على دعائم سردية» (السرد العربي ص72). واختلفت نظرة عبدالله إبراهيم للسرد العربي من خلال اتكائه على التفكيك والدراسات الثقافية والتاريخانية في التعامل مع النص السردي، فهو ينفي نشأة الرواية في الغرب بل إنه يعتبر الغرب متأثرًا بالسردية العربية القديمة كقصص (ألف ليلة وليلة) واعتمد في هذا على الدراسة التاريخية أثناء احتلال نابليون لمصر وكيف أنه ثبت تأثرهم بها ونقلها إليهم.
سيكون هذا الإشكال متجددًا في كثير من المقارنات الفكرية والأدبية حينما لا نتعامل مع الفكر باعتباره فكرًا كونيًا إنسانيًا، يتطور مع الإنسان أيًا كان هذا الإنسان ؛ شريطة توفر المناخ المناسب له، المناخات السياسية والاجتماعية، وعندها يصير الفكر مرنًا فضفاضًا ينبت كما يشاء في حديقة الإنسان الذي وفر له الحظ الأسمى للتمدد والبزوغ. وإننا لا نستطيع التغاضي عن التطور الذي لحق السرد العربي في مراحل عظيمة من حياته وذلك مع انبثاق فن (المقامة)، على أنها اُعتبرت في درجة دنيا من الأدب لاعتمادها على البديع المتثمل في (السجع) وهو امتداد لإشكال سابق في العلاقة بين القديم والحديث مع البحتري وأبي تمام، إلا أن (المقامة) استطاعت أن تثبت إمكانية تطور السرد من داخل الحقل المعرفي ذاته ؛ وليكن العربي، ومنذ أن لقيت المقامة بوادر الحرية لظهورها لم تتوانَ عن ذلك، ولم تدخل في أدنى صراع مع الثقافات المخالفة لها، بل إنها تُدرس باعتبارها فنًا تجديدًا عند دراسة الأدب المقارن.
- صالح بن سالم