{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي} .
الحمد لله الذي رفع قدر الإنسان بالدنيا، وأعلى شأن المخلصين الأوفياء، والصلاة والسلام على معلم الناس الخير، وهاديهم إلى الصراط المستقيم سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.
قد يعطي المرء لوطنه يوماً من أيام عمره.. ولكنهم قلائل من يعطون كل أيام عمرهم..! مثل ما فعلت صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز وهاهي قد رحلت عن دنيانا... ورحيلها المر لا يجعلنا نرثيها بل نرثي حياتنا التي خلت منها.. نرثي حالنا بعدها فكم هو قاس ومؤلم أن تفتقر الحياة من الطيبين المعطائين الذين كانوا لنا أنوار تضيء طريقنا، نحن نرثي أنفسنا بدونها ولا نرثيها هي لأنها بإذن الله من الذين قال الله عنهم في كتابه العزيز «الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».صعدت تلك الروح الطاهرة والأخلاق السامية إلى بارئها فقد رحل جسدها وسبقتها أعمالها الخيرة وبقيت مآثرها وطيب ذكراها.
رحلت عن الدنيا ورغم إيماننا بقضاء الله وقدره وان الموت حق ماضٍ على كل حي، إلاّ أن الفراق صعب ومر وخاصة عندما يكون الرحيل للأميرة الإنسانة نبراس الجميع صاحبة القلب الرحيم والتواصل بين الأقارب والأصدقاء، وأم الأرامل واليتامى والمساكين فكانت رحمها الله من النساء البارزات في المجتمع من بنات الوطن المخلصات ومن المداومات على فعل الخير وحبها للبر والإحسان لذوي القربى وذوي الحاجة، وتكون في قمة السعادة عندما تفرج ضيقة محتاج، فمن صفاتها المودة والمحبة والتقوى والمداومة على طاعة ربها والحرص على مصالح الجميع والحث على توطيد أواصر المحبة والألفة. فلقد أكرمها الله تعالى بمحبة الجميع من أبناء وأقارب وأصدقاء الذين كانوا يلتقون عندها عبر زياراتهم المتكررة والدائمة لها، وإلى جانب ذلك كانت تستضيف بكل حفاوة وتكريم جموع ضيفات الجنادرية من داخل وخارج المملكة والعاملات بالمهرجان في بيتها العامر.
فأقول: من حوت روحها قلباً ذهبياً، وسخاءً ربيعياً، حتى ضربت بجذورها في أعماق القلوب، وأصبحت شجرة طيبة تغدق ثمارها الرطبة الجنية حيثما سارت.. لمن بذلت وقتها في سبيل خدمة وطنها وبنات وطنها.. إليك صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز - يرحمك الله - ياأميرة الثقافة والخير والعطاء..أرثيكِ باسم النساء في مملكة الإنسانية اللواتي نهلن من فيض مدرستك الإنسانية، ونعدك أننا سنبقى نستلهم من أعمالك الأمل في بناء ثقافي أوسع، وستبقى تتزاحم أيادينا البيضاء في ارتفاعها نحو السماء دائماً لتدعو الواهب جلت قدرته أن يرحمك ويسكنك الفردوس الأعلى، عرفاناً لك وتقديرا إليك، فأنت من أحسنت إلينا ولوطنك، فأنزلك هذا الإحسان منزلة التقدير بين أهلك، وأنزلك منزلة التكريم عند نساء هذا الوطن فالقلوب إنما تجبل على حب من أحسن إليها. وبكلماتي التي تحمل بعض مشاعري مضخمة بصدق المحبة والولاء، والحزن على فراقك، والذي ينشر شذاه فيعطر بسيرتك الطيبة وأعمالك الخيرة المجيدة حتى لا يسعني بعد ذلك كله إلا أن أقول: نوف ستبقي في قلوبنا ما حيينا، وسيسطر لك التاريخ أجمل سيرة ومسيرة.. لابنة الوطن المخلصة البارة.. نعم فلقد حققت قبل رحيلك - ولله الحمد والمنة ــ أهدافا كثيرة كنت تسعين لتحقيقها في أعمال الخير وخدمة الوطن.وخير شاهد على ذلك أعمالك الجليلة والسيرة العطرة هو الكتاب الذي أعددته بعنوان : ( صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز- سيرة ومسيرة ) بعدد 500 صفحة بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيس المهرجان الوطني للتراث والثقافة ورعايتها الكريمة المستمرة للنشاطات النسائية للمهرجان ليأخذ مكانته في الأرشيف السعودي. وستبقى الأميرة نوف تفاصيل حاضرة لنبض متواصل يدفع الحيوية والرقي والثقافة والحضارة في الوطن الذي نكافح لأجله والذي نعيش على ترابه الغالي، ومهما كتبت عن سموها الكريم فستقف الكلمات عاجزة أن تظيف إلى سيرتها العطرة الطاهرة، ومسيرتها المباركة، فنوف الإنسانة أكبر من كل حرف يكتب، لأنها عمر وطن بأكمله وقلة هم الذين تكون أعمارهم تاريخاً لأوطانهم وحياتهم مسيرة شعب بأكمله.. في مملكة بلغت أعنان السماء زهواً وعزاً وافتخارا.
فإلى روح سموها الكريم تتجدد المحبة والوفاء والدعوات الصادقة من كل بنات الوطن على امتداد أرض المجد والعطاء.فحينما تمضي مسيرة الزمن وتلتهم الأجيال جيلاً بعد جيل تلك الأجيال التي عاشت وتركت بصمات خلدت ذكراها في أعمال الخير والبر والإحسان وتواتر ذكرها وستظل تلك البصمات خالدة على مدى الأيام والسنين فقد تركت لنا أعمال خير نذكرها ولن تنسى ومن أعمالها الخالدة رعايتها المستمرة للنشاطات النسائية بالمهرجان الوطني للتراث والثقافة التي تدعمها وترعاها و لها الكثير من الأعمال التطوعية الداعمة للكثير من الجمعيات الخيرية وتشجيع المتطوعات والعاملات في العمل الخيري.
رحلت صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز ودعت الدنيا وقلوبنا تدعو لها وتركت العبرات في كل صدر أحبها وكل يدٍ صافحتها.. وكل عين التقت في عمل الخير والجود معها.
ففقدان الأميرة الإنسانة.. ترك حزناً عميقاً في نفوس جميع أبناء وبنات أفراد الشعب السعودي الذي أحبها بصدق، فقد لبس قصر سموها ثوب الألم والحسرة على فراقها، وعم الحزن وخيم على الجميع حتى العصافير لم تحلق في حديقة منزلها حزناً عليها، وأصيب كل من سمع نبأ وفاتها بفاجعة مؤلمة وكل من حضر ومن لم يحضر العزاء، يعجز قلمي ومداد كلماتي عن وصفها..الدموع والحزن الذي خيم علينا جميعاً خلال أيام العزاء على فراقها لهو نابع من قلوبٍ محبة صادقة تدعو لها بالمغفرة والرحمة من رب غفور رحيم.
بعد كل هذا فلا غرابة أن يكون لنوف كل هذا الحضور والتأثير والمحبة الصادقة والتقدير من كبيرنا قبل صغيرنا، وقد أدرك كل من حضر أيام العزاء مدى هذا الحب الكبير الذي تكنه بنات وأبناء الوطن لهذه الأميرة الفاضلة - تغمدها الله بواسع رحمته - والذي يؤكد لنا أن صاحبة السمو الملكي الأميرة نوف بنت عبد العزيز باقية بيننا، صحيح أنها رحلت..! جسداً ولكنها بقلوبنا باقية وفي أعمالها الخالدة التي ستخلد ذكرها على مر الأيام والسنين، إذ نرى أثرها كل يوم في أعمالها الإنسانية، وفي أبنائها وبناتها البررة المخلصين، الذين أعدتهم لقيادة السفينة من بعدها ليكونوا امتدادا أصيلاً لأعمالها الخيرة يحملون رسالتها التي هي امتدادا لرسالة والدها المؤسس الملك عبد العزيز وأخيها الملك عبد الله وتوأم روحها أختها الأميرة صيتة - يرحمهم الله - وإخوانها البررة المخلصين رحم الله من مات منهم وحفظ الله لنا من يعيش بيننا. يقتفون أثرها، ويلتزمون بنهجها ويحققون آمالها في خدمة أبناء وبنات الوطن الأوفياء المخلصين الذين أكدوا من خلال أيام العزاء مدى التلاحم الفريد بين القيادة والشعب فهنيئاً لك أم فيصل بمن تسكنين قلوبهم ويدعون لك. وأسأل الله لك المغفرة والرحمة و أن يسكنك الفردوس الأعلى.
[اللهم ثبت على قلوب أبنائها وجميع أفراد الا سره المالكة الكريمة، وعلى قلوبنا التي تحبها. كلمة حق أقولها إن المصاب جلل، لكن الإيمان بالله أعظم، اللهم اجعلنا أوفياء لذكرى نوف بنت عبد العزيز ندعو لها في آناء الليل وأطراف النهار].
وفي نهاية رثائي هذا أقول: لا أملك بل لا نملك جميعاً سوى الصبر والاحتساب كما أمرنا ديننا الحنيف..وأن يظل حبل الوداد والوفاء معقوداً بيننا وبينك أميرتنا الحبيبة بالدعاء الصادق لك من القلوب في كل لحظة وفي كل حين أن يرحمك الله، ويغفر لك، وأن يتغمدك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جناته، ويلحقك بالصالحين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا إن شاء الله، فقد خرجت من دار الفناء إلى دار البقاء. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
بقلم: د. جواهر العبد العال - عضو مجلس الإدارة ورئيسة المركز الإعلامي بالمؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية