خريجو الأقسام الشرعية لا أثر لهم في عالمنا الإسلامي!! ">
الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تشير بعض الإحصائيات إلى أن عدد خريجي الأقسام الشرعية (الشريعة والدراسات الإسلامية) رجالاً ونساءً في عالمنا الإسلامي يبلغون قرابة 50000 خريج ولكن لا أثر لهؤلاء الخريجين.
وقد جرت سنّة الله أنّ الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة، كما في الصحيحين لكن السؤال: أين هؤلاء الـ (1 %) الذين يشكّلون خمسمائة خرّيج من مجموع الخرّيجين سنوياً؟
كانت تلك رؤية أحد الغيورين لواقع أليم تعيشه الأمة الإسلامية، وتحدث لـ «الجزيرة» عدد من المتخصصين في الدراسات الشرعية وقدّموا رؤاهم حول ذلك، والعلاج الناجح للواقع المرير.
دوافع للبذل
بدايةً يؤكّد الدكتور عمر بن عبدالله المقبل أستاذ الحديث بجامعة القصيم أن المسلمين اليوم فاقوا المليار ورُبُعَه، وحاجتُهم لمعرفة الواجب من فرائض الشريعة تعني أننا مضطرون إلى مئات الألوف الذين يُحقِّقون الكفاية في هذا الباب، مشيراً إلى مقطع يَكشف واقعاً مؤلماً للجهل الفاحش الذي يعيشه كثير من المسلمين في الضروري من دينهم، فقد كان المقدِّم يطلب من الشخص قراءة الفاتحة فقط، فجاءت النتيجة كارثية، مع أن الذين وُجّه لهم السؤال عربٌ، وفي بلدٍ عريق في العلم! فما الظن بمئات الملايين من مسلمي الأعاجم، التي يقلّ فيها طلابُ العلم الشرعي بَلْه العلماء؟!
وهذا كلّه يؤكد أن مسألة «سوق العمل» في تعلم العلوم الشرعية، خارجة عن الحسابات المدنية للوظائف، فوظيفةُ طالب العلم لا يصحّ أن تُخْتَزل في سُلَّم وظيفي يبدأ بأول راتب وينتهي بالتقاعد، كلا! فميادين عملِ طلاب العلوم الشرعية أكبر من أن تُحجَّم في هذا الترتيب الوظيفي الذي وُضِع لضبط الأمور المالية؛ فكل مسلم محتاج إلى ما عند هؤلاء الخرِّيجين من القدْر الضروري من العلم، الذي لا تصح العبادات ولا المعاملات بدونه، «فتعليم العلم هو قوام الدين، وبه أُدّيت الفرائض إلى رب العالمين».
قلة البضاعة
ويقول د. عمر المقبل: نحن أمام مشكلة كبيرة تستدعي من الناصحين التواصي بتخفيف هذه المشكلة، وأن من أهم الدوافع للبذل أن يتذكر الخريّجُ أن العلمَ الشرعي ليس كغيره من العلوم، فهو عِلمٌ يتحمّله صاحبُه وهو يستشعر أمانةَ بَذلِه، والخوفَ من التقصير في نشره، جاعلاً نصب عينيه قول الذي علّمه ما لم يكن يعلم: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ).
قد لا يُسْألُ الخريجُ في الدنيا: لماذا لم تبذل؟ ولِمَ لمْ تعلّم كما تعلمت؟ لكن ليوقن أن السؤال واقع لا محالة، حين يقف بين يدي الله تعالى، فيسأله عن عِلمه ماذا عمل فيه؟ كما صح بذلك الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -.
ومن المفهوم أن يكدح طالبُ العلم في تحصيل لقمة العيش، وتأمينِ قدرٍ كريم من المعيشة له ولأسرته، لكن الذي لا ينبغي هو أن تتطلع نفسُه إلى ما هو أكبر من ذلك؛ مِن ارتقاء مقامات التجّار، ومنافستهم على حطام الدنيا! وترْكِ ما ينبغي من مثله في منافسة أهل العلم في تجارتهم الرابحة في ترويج بضاعة العلم والعمل؛ وبعض الخريجين يعتذر بقلة بضاعته العلمية، وحاجته للتحصيل، وأنه ينتظر حتى يكبر!
ويؤكّد د.عمر المقبل أن التجارب دلّت على أن من لم يبذل صغيراً لا يكاد يبذل كبيراً! فالقضية قضية همّ! فمن كان يحمله فسيبذل بالقدْر الذي معه، متذكراً قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بلّغوا عني ولو آية»، وليس المطلوب من الخرّيج أكثر مما معه من العلم، الذي كثير من المسلمين يجهله! وما خفي عليه فالتقنية أسهمت في سهولة الوصول للمعلومة عند خفائها، مشيراً إلى أن بذل العلم سببٌ لبركته ونمائه ـ كما هو معروف ومشاهد ـ ومَن قرأ في سِيَر الأئمة الذين خلّد اللهُ ذِكرهم، ورفع شأنهم؛ وجدهم مشتركين في قضية البذل للعلم، فجديرٌ بطالب العلم أن يطالعها بين فترة وأخرى، خاصة كلما شعر بكسلٍ وفتورٍ عن القيام بواجب البلاغ؛ علّها تشحذ همّته، وتجدد نشاطه.
نماذج خيّرة
ويقدّم د. عمر المقبل بعض الاستشهادات حيث يقول: هذا وكيع بن الجراح (197هـ) - أحد كبار شيوخ الإمام أحمد رحمهم الله جميعا - كان يجلس لأصحاب الحديث من الفجر إلى ارتفاع النهار، ثم ينصرف فيقيل، ثم يصلي الظهر، ثم يقصد الطريق التي فيها أصحاب الروايا - أي الدواب التي يستقى عليها الماء - فيريحون نواضحهم، فيعلمهم من القرآن ما يُؤدُّون به الفرض إلى حدود العصر، ثم يرجع إلى مسجده».
وكان الحافظ عبدالغني المقدسي (600هـ) - مؤلف عمدة الأحكام - يجلس بعد الفجر يلقن الناس القرآن، مع كونه حينما كان يفعل ذلك، كان من أئمة المسلمين.
وفي ترجمة العالم العابد عبدالله بن عبدالعزيز العُمري: «أنه كان يخرج إلى البادية التي لا يحضر أهلُها الأمصارَ لطلب العلم، ولا يخرج أهلُ العلم إليهم، فيعلمونهم العلم فيفقههم ويعلمهم أمرَ دينهم، ويرغِّبهم فيما يقربهم من ربهم عز وجل، ويحذِّرهم مما يباعدهم منه حتى يكونوا بذلك كما يجب أن يكونوا عليه».
والنماذج في هذا كثيرة جداً، فبالله عليك! أين هذا ممن يقصّر - مع أهليّته - في نفع إخوانه وبذل العلم في مسجد حيّه، بل يقصّر وهو في بيته، حينما يطلب منه أن يلقي درساً أو محاضرة عن طريق الإنترنت، أو في مواقع التواصل الاجتماعي؟!
أخيراً.. إخوتي الخريجون! لقد حملتم بين صدوركم - شئتم أم أبيتم - شيئاً من إرث محمد صلى الله عليه وسلم، فانظروا ماذا صنعتم بهذا الإرث؟ وكيف ستجيبون ربكم إذا سألكم عنه؟ حفظتم أم ضيّعتم؟
الأسباب والعلاج
ويذكر الدكتور فهد بن سعد المقرن الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أهم الأسباب لهذه المشكلة وهي: ضعف الإخلاص في القلوب، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فمن طلب العلم الشرعي بنيّة التوصل به لحظ من حظوظ الدنيا الفانية، فمن عاجل العقوبة الدنيوية ألا يبارك له في علمه مع الوعيد الشديد له في الآخرة.
وهكذا تحرم الأمة من علمه الذي تعلمه، بل العلم حجة عليه يوم القيامة.
ومن الأسباب كذلك ترك تدارس العلم والانشغال بتكاليف الحياة المادية، فحياة العلم بمدارسته ومن الأسباب أيضاً: أن المجتمع الذي يعيش فيه طالب العلم يزهد في العلم الشرعي، وبالتالي ينعكس هذا الزهد على طالب العلم، فلا يجد لبضاعته سوقاً تروج فيه، فينغمس في ملهيات الحياة وتكاليفها. وثمة أسباب أخرى يضيق المجال عن ذكرها.
وطرح الدكتور فهد المقرن بعض الطرق للعلاج وهي: أن طلاب العلم يحتاجون لمؤسسات علمية تقوم برعايتهم ومساعدتهم على أعباء الحياة وتكاليفها، حتى يفرغوا لتعليم العلم ونشره بين الناس، فطالب العلم يحتاج الرعاية والاهتمام من المسلمين والتكريم حتى يقوم بخير الأعمال كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
ولقد كان السلف يستشعرون هذه المعاني، لما صلى زيد بن ثابت على جنازة ثم قربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال له زيد: خلِ عنها يا ابن عم رسول الله فقال ابن عباس هكذا أمرنا نفعل بالعلماء والكبراء. سائلاً الله أن يلطف بحال هذه الأمة وأن يصلح أحوالها.
العبرة بالكيف
وشدّد الدكتور العباس بن حسين الحازمي الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بالرياض أن العبرة في العلم الشرعي ليست بالكمْ ولكن العبرة بالكيف، ولذلك لا بد من مراجعة طريقة دراسة أولئك ووسائل التدريس والتعليم وطرائقه التي تلقّوا بها العلوم الشرعية.
كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن طلب العلم الشرعي لا يقتصر على الكليات والجامعات
بل ما زالت المساجد تقوم بواجبها في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وهل الذين درسوا في هذه المساجد داخلون في هذه الإحصائية؟!
ضعف المناهج
وأكّد الدكتور ناصر بن سعود القثامي وكيل كلية الشريعة والأنظمة بجامعة الطائف أنّ عدم ظهور أثر خريجي الشريعة في المجتمع معضلة قائمة ومشكلة حاصلة فليس لهم أثر في حل الانحرافات الفكرية ولا الضلالات العقدية، ومن أسبابها ضعف القبول للطلاب المتميزين في الأقسام الشرعية فالواقع في الجامعات أن المقبولين في الأقسام الشرعية هم أقل المعدلات في الثانوية العامة، وهذا جعل الأكاديميين في كليات الشريعة يتعاملون بتنزل كبير أمام ضعف قدرات الطلاب، ذهاب الطلاب المتميزين في السنوات العشر الماضية إلى الأقسام العلمية؛ مما يستدعي النظر في مسألة القبول في الجامعات، وضعف بعض الأكادميين (كالمتعاقدين من بعض الدول العربية) الهدف الكسب المالي بعيداً عن إيصال الفائدة، وضعف المناهج الشرعية وقدمها وعدم تجديدها ومعاصرتها للأحداث والمشكلات وعدم مساعدة الجامعات في التجديد، وإقفال باب النشاطات اللا صفّيّة والدورات (الشرعية) في الجامعات خاصة والثانويات والتي يتولها العقلاء الأمناء في التوجيه والإرشاد كنشاطات (الخطابة والدعوة والإمامة والاحتساب)، إضافة لنظرة المجتمع ونظرة مجالات التوظيف لخريجي الشريعة النظرة الدونية مما أصابهم بالإحباط والضعف.
دوافع للبذل
بدايةً يؤكّد الدكتور عمر بن عبدالله المقبل أستاذ الحديث بجامعة القصيم أن المسلمين اليوم فاقوا المليار ورُبُعَه، وحاجتُهم لمعرفة الواجب من فرائض الشريعة تعني أننا مضطرون إلى مئات الألوف الذين يُحقِّقون الكفاية في هذا الباب، مشيراً إلى مقطع يَكشف واقعاً مؤلماً للجهل الفاحش الذي يعيشه كثير من المسلمين في الضروري من دينهم، فقد كان المقدِّم يطلب من الشخص قراءة الفاتحة فقط، فجاءت النتيجة كارثية، مع أن الذين وُجّه لهم السؤال عربٌ، وفي بلدٍ عريق في العلم! فما الظن بمئات الملايين من مسلمي الأعاجم، التي يقلّ فيها طلابُ العلم الشرعي بَلْه العلماء؟!
وهذا كلّه يؤكد أن مسألة «سوق العمل» في تعلم العلوم الشرعية، خارجة عن الحسابات المدنية للوظائف، فوظيفةُ طالب العلم لا يصحّ أن تُخْتَزل في سُلَّم وظيفي يبدأ بأول راتب وينتهي بالتقاعد، كلا! فميادين عملِ طلاب العلوم الشرعية أكبر من أن تُحجَّم في هذا الترتيب الوظيفي الذي وُضِع لضبط الأمور المالية؛ فكل مسلم محتاج إلى ما عند هؤلاء الخرِّيجين من القدْر الضروري من العلم، الذي لا تصح العبادات ولا المعاملات بدونه، «فتعليم العلم هو قوام الدين، وبه أُدّيت الفرائض إلى رب العالمين».
قلة البضاعة
ويقول د. عمر المقبل: نحن أمام مشكلة كبيرة تستدعي من الناصحين التواصي بتخفيف هذه المشكلة، وأن من أهم الدوافع للبذل أن يتذكر الخريّجُ أن العلمَ الشرعي ليس كغيره من العلوم، فهو عِلمٌ يتحمّله صاحبُه وهو يستشعر أمانةَ بَذلِه، والخوفَ من التقصير في نشره، جاعلاً نصب عينيه قول الذي علّمه ما لم يكن يعلم: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ).
قد لا يُسْألُ الخريجُ في الدنيا: لماذا لم تبذل؟ ولِمَ لمْ تعلّم كما تعلمت؟ لكن ليوقن أن السؤال واقع لا محالة، حين يقف بين يدي الله تعالى، فيسأله عن عِلمه ماذا عمل فيه؟ كما صح بذلك الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم -.
ومن المفهوم أن يكدح طالبُ العلم في تحصيل لقمة العيش، وتأمينِ قدرٍ كريم من المعيشة له ولأسرته، لكن الذي لا ينبغي هو أن تتطلع نفسُه إلى ما هو أكبر من ذلك؛ مِن ارتقاء مقامات التجّار، ومنافستهم على حطام الدنيا! وترْكِ ما ينبغي من مثله في منافسة أهل العلم في تجارتهم الرابحة في ترويج بضاعة العلم والعمل؛ وبعض الخريجين يعتذر بقلة بضاعته العلمية، وحاجته للتحصيل، وأنه ينتظر حتى يكبر!
ويؤكّد د.عمر المقبل أن التجارب دلّت على أن من لم يبذل صغيراً لا يكاد يبذل كبيراً! فالقضية قضية همّ! فمن كان يحمله فسيبذل بالقدْر الذي معه، متذكراً قوله - صلى الله عليه وسلم -: «بلّغوا عني ولو آية»، وليس المطلوب من الخرّيج أكثر مما معه من العلم، الذي كثير من المسلمين يجهله! وما خفي عليه فالتقنية أسهمت في سهولة الوصول للمعلومة عند خفائها، مشيراً إلى أن بذل العلم سببٌ لبركته ونمائه ـ كما هو معروف ومشاهد ـ ومَن قرأ في سِيَر الأئمة الذين خلّد اللهُ ذِكرهم، ورفع شأنهم؛ وجدهم مشتركين في قضية البذل للعلم، فجديرٌ بطالب العلم أن يطالعها بين فترة وأخرى، خاصة كلما شعر بكسلٍ وفتورٍ عن القيام بواجب البلاغ؛ علّها تشحذ همّته، وتجدد نشاطه.
نماذج خيّرة
ويقدّم د. عمر المقبل بعض الاستشهادات حيث يقول: هذا وكيع بن الجراح (197هـ) - أحد كبار شيوخ الإمام أحمد رحمهم الله جميعا - كان يجلس لأصحاب الحديث من الفجر إلى ارتفاع النهار، ثم ينصرف فيقيل، ثم يصلي الظهر، ثم يقصد الطريق التي فيها أصحاب الروايا - أي الدواب التي يستقى عليها الماء - فيريحون نواضحهم، فيعلمهم من القرآن ما يُؤدُّون به الفرض إلى حدود العصر، ثم يرجع إلى مسجده».
وكان الحافظ عبدالغني المقدسي (600هـ) - مؤلف عمدة الأحكام - يجلس بعد الفجر يلقن الناس القرآن، مع كونه حينما كان يفعل ذلك، كان من أئمة المسلمين.
وفي ترجمة العالم العابد عبدالله بن عبدالعزيز العُمري: «أنه كان يخرج إلى البادية التي لا يحضر أهلُها الأمصارَ لطلب العلم، ولا يخرج أهلُ العلم إليهم، فيعلمونهم العلم فيفقههم ويعلمهم أمرَ دينهم، ويرغِّبهم فيما يقربهم من ربهم عز وجل، ويحذِّرهم مما يباعدهم منه حتى يكونوا بذلك كما يجب أن يكونوا عليه».
والنماذج في هذا كثيرة جداً، فبالله عليك! أين هذا ممن يقصّر - مع أهليّته - في نفع إخوانه وبذل العلم في مسجد حيّه، بل يقصّر وهو في بيته، حينما يطلب منه أن يلقي درساً أو محاضرة عن طريق الإنترنت، أو في مواقع التواصل الاجتماعي؟!
أخيراً.. إخوتي الخريجون! لقد حملتم بين صدوركم - شئتم أم أبيتم - شيئاً من إرث محمد صلى الله عليه وسلم، فانظروا ماذا صنعتم بهذا الإرث؟ وكيف ستجيبون ربكم إذا سألكم عنه؟ حفظتم أم ضيّعتم؟
الأسباب والعلاج
ويذكر الدكتور فهد بن سعد المقرن الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أهم الأسباب لهذه المشكلة وهي: ضعف الإخلاص في القلوب، فقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنْ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، فمن طلب العلم الشرعي بنيّة التوصل به لحظ من حظوظ الدنيا الفانية، فمن عاجل العقوبة الدنيوية ألا يبارك له في علمه مع الوعيد الشديد له في الآخرة.
وهكذا تحرم الأمة من علمه الذي تعلمه، بل العلم حجة عليه يوم القيامة.
ومن الأسباب كذلك ترك تدارس العلم والانشغال بتكاليف الحياة المادية، فحياة العلم بمدارسته ومن الأسباب أيضاً: أن المجتمع الذي يعيش فيه طالب العلم يزهد في العلم الشرعي، وبالتالي ينعكس هذا الزهد على طالب العلم، فلا يجد لبضاعته سوقاً تروج فيه، فينغمس في ملهيات الحياة وتكاليفها. وثمة أسباب أخرى يضيق المجال عن ذكرها.
وطرح الدكتور فهد المقرن بعض الطرق للعلاج وهي: أن طلاب العلم يحتاجون لمؤسسات علمية تقوم برعايتهم ومساعدتهم على أعباء الحياة وتكاليفها، حتى يفرغوا لتعليم العلم ونشره بين الناس، فطالب العلم يحتاج الرعاية والاهتمام من المسلمين والتكريم حتى يقوم بخير الأعمال كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
ولقد كان السلف يستشعرون هذه المعاني، لما صلى زيد بن ثابت على جنازة ثم قربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال له زيد: خلِ عنها يا ابن عم رسول الله فقال ابن عباس هكذا أمرنا نفعل بالعلماء والكبراء. سائلاً الله أن يلطف بحال هذه الأمة وأن يصلح أحوالها.
العبرة بالكيف
وشدّد الدكتور العباس بن حسين الحازمي الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بالرياض أن العبرة في العلم الشرعي ليست بالكمْ ولكن العبرة بالكيف، ولذلك لا بد من مراجعة طريقة دراسة أولئك ووسائل التدريس والتعليم وطرائقه التي تلقّوا بها العلوم الشرعية.
كما أنه لا بد من الإشارة إلى أن طلب العلم الشرعي لا يقتصر على الكليات والجامعات
بل ما زالت المساجد تقوم بواجبها في كثير من بلدان العالم الإسلامي، وهل الذين درسوا في هذه المساجد داخلون في هذه الإحصائية؟!
ضعف المناهج
وأكّد الدكتور ناصر بن سعود القثامي وكيل كلية الشريعة والأنظمة بجامعة الطائف أنّ عدم ظهور أثر خريجي الشريعة في المجتمع معضلة قائمة ومشكلة حاصلة فليس لهم أثر في حل الانحرافات الفكرية ولا الضلالات العقدية، ومن أسبابها ضعف القبول للطلاب المتميزين في الأقسام الشرعية فالواقع في الجامعات أن المقبولين في الأقسام الشرعية هم أقل المعدلات في الثانوية العامة، وهذا جعل الأكاديميين في كليات الشريعة يتعاملون بتنزل كبير أمام ضعف قدرات الطلاب، ذهاب الطلاب المتميزين في السنوات العشر الماضية إلى الأقسام العلمية؛ مما يستدعي النظر في مسألة القبول في الجامعات، وضعف بعض الأكادميين (كالمتعاقدين من بعض الدول العربية) الهدف الكسب المالي بعيداً عن إيصال الفائدة، وضعف المناهج الشرعية وقدمها وعدم تجديدها ومعاصرتها للأحداث والمشكلات وعدم مساعدة الجامعات في التجديد، وإقفال باب النشاطات اللا صفّيّة والدورات (الشرعية) في الجامعات خاصة والثانويات والتي يتولها العقلاء الأمناء في التوجيه والإرشاد كنشاطات (الخطابة والدعوة والإمامة والاحتساب)، إضافة لنظرة المجتمع ونظرة مجالات التوظيف لخريجي الشريعة النظرة الدونية مما أصابهم بالإحباط والضعف.