علي بن إبراهيم الحبيب ">
الإرهاب يشير بحسب معناه الاشتقاقي، إلى طريقة عمل مباشر ترمي إلى إثارة «الرهبة» أي إلى إيجاد مناخ من الخوف والرعب والهلع بين السكان، كما يشير الإرهاب إلى تقنية عمل عنفية تستعملها مجموعة دنيئة ضد مدنيين بهدف تسليط الضوء على مطالب سياسية معينة، لذا فإن من المتقرر عند كل ذي لب أنه ما من بدعة تخرج أو ضلالة تنتشر، إلا ولها دعاة ينشرونها، ويدافعون عنها، ويوالون ويعادون عليها، ظنًا منهم أنها من الدين، وأن ما هم عليه هو الإسلام الذي أنزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم!!
فبدعة تكفير الحكام، والخروج عليهم بدعة قديمة، فلقد طعن ذو الخويصرة في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم وعدله، وقد خرج الخوارج على الخليفة عثمان رضي الله عنه وقتلوه، وخرجوا على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقاتلهم وقاتلوه وقتلوه، وبدعة التكفير والخروج على الحكام والتفجيرات والاغتيالات، لها مجددون في هذا العصر، ومن أبرزهم هؤلاء الدواعش أحد الجماعات الإرهابية المقيته الذي اتضح كذبهم وخرابهم بالتكفير والخروج وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة.
وفي هذا المقال ساستعرض لكم جزءًا من أجزاء خرابهم وسعيهم في الأرض فسادًا، وأترك لك أيها القارئ الكريم - بما حباك الله من عقيدة صافية - الحكم عليهم، ولا يظن أحد أننا نفتري عليه شيئًا لم يفعله، فها هو فعلهم أمامكم من تخريب وتفجير وسفك للدماء، فإن ما يسعى إليه الدواعش خوارج العصر من فتنة في بلاد الحرمين الشريفين وغيرها من البلدان الإسلامية، ما هو إلا دليل على خبثهم، وحرصهم على زعزعة الأمن والاستقرار في البلدان الإسلامية، ومن نظر نظرة في التاريخ الإسلامي يتضح له جليًا أن الخوارج منذ نشأتهم وهم من أحرص الناس على الكيد بالمسلمين وسفك دمائهم، ويسعون في نشر الشر والإفساد في البلاد الإسلامية، فمنذ نشأة الخوارج إلى يومنا هذا وأسلحتهم موجهة إلى بلاد المسلمين لا غيرها، فلم يُذكر في كتب التاريخ أن الخوارج قاتلوا اليهود أو النصارى أو المجوس أو غيرهم من ملل الكفر، بل شرهم خاص على أهل الإسلام فقط، وهذا مصداق لقول النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان).
فلا تجد بلدًا إسلاميًا يدخله الخوارج الداعشيون إلا ويفسدون فيه فسادًا عظيمًا، من سفك للدماء وهدم للبيوت وانتهاك أعراض النساء باسم السبايا، وحرق الزروع والسرقات وغير ذلك من المفاسد العظام، ويسعون في نشر هذا الفساد ويحبون ظهوره في بلاد المسلمين.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]، وقال تعالى: {وإذا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض} [البقرة: 11]، أي بجميع أنواع الفساد من قتل وتخريب وتشريد وغير ذلك من أنواع الفساد.
{قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * إلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11-12]، أي يعتقدون أنهم أهل إصلاح ويسعون إلى الإصلاح، وهم أهل فساد يسعون إلى الإفساد.
يقول الله تعالى في قتل الأبرياء: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ أنه كَانَ مَنْصُورًا}.
ففي جميع مكونات أي مجتمع وفي أي حضارة وأي دولة وأي إقليم هذا الإرهاب لا دين له ولا دولة له ولا مذهب ولا حتى حاضن له، سوى من يدسون رؤوسهم بالتراب لأهداف نتنة وسيئة طريقها إزهاق الأرواح وترويع الآمنين وإخلال كل ما هو عدلٌ وسليم وفي المنهج الرشيد القويم، الإرهاب الداعشي يعادي كل هذه الصورالحسنة النافعة اليافعة الحقة والمبينة، الإرهاب الداعشي يعادي السلم والأمن والحب والخير، الإرهاب الداعشي يعادي التعايش والراحة والطمأنينة، الإرهاب الداعشي يحمل راية ملؤها الضلال والخيبة، الإرهاب الداعشي يحمل راية ملؤها التمزيق والتزييف وإزهاق الأرواح، الإرهاب الداعشي يحمل أيادي ملطخة بدماء الأبرياء ويفقد الوطن المزيد من رجاله الأوفياء، الإرهاب الداعشي لم يعمل سوى أنه يزيد من عزائم أهل العزم من قادة ورجال أمن هذا البلد الحصين المتين، الإرهاب الداعشي لم يعمل سوى أنه زاد أبناء هذا الوطن الدعوات الخالصة عليه من القلب أن يميته شر ميتة، وأن يذله شر ذلة، الإرهاب الداعشي روع، الإرهاب الداعشي أزهق، الإرهاب الداعشي أفقد، الإرهاب الداعشي تخطى حرمات بيوت الله الطاهرة، الإرهاب الداعشي تنكر لأهله، الإرهاب الداعشي تنكر لدينه، الإرهاب الداعشي ذو فكر نتن، الإرهاب الداعشي ذو رائحة كريهة، الإرهاب الداعشي جعل الدين أضيق من أن يتسع، الإرهاب الداعشي هو من صنع هذه الايديولوجيا البغيضة الدخيلة على المجتمعات، الإرهاب الداعشي لا دين، الإرهاب الداعشي لا خلق عزيز، الإرهاب الداعشي خزي وعار، الإرهاب الداعشي لا يقره شرع ولا عقل أو حتى إنسانية، الإرهاب الداعشي لا يقره عالم أو شيخ جليل، الإرهاب الداعشي لا تقبله النفس ولا يمضغه العقل، الإرهاب الداعشي لا يراعي حرمة الأيام، الإرهاب الداعشي لا يراعي حرمة الشهور، الإرهاب الداعشي لا يراعي حرمة المكان، الإرهاب الداعشي لا يراعي يتمة الأطفال ولا حتى أرملة النساء، الإرهاب الداعشي لا يراعي حرمة المساجد وأمن الآمنين، الإرهاب الداعشي لا يرحم ولا يعطف، الإرهاب الداعشي خارج أسوار الدين، الإرهاب جميعه خارج أسوار الإنسانية الحقة، قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مؤمنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خالدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وقال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرض فَسَادًا أيُقَتَّلُواْ أو يُصَلَّبُواْ أو تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أو يُنفَوْاْ مِنَ الأرض ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. فكيف بمن يفجر مساجد الله، وكيف بمن ينتهك حرمات الله عز وجل، فاستهداف المساجد والأضرحة الدينية، انها جريمة إرهابية نكراء اتسم بها تنظيم داعش منذ إعلان خلافته المزعومة في العراق وسوريا وامتدت الهجمات ضد دور العبادة في اليمن والسعودية والكويت دون مراعاة لحرمة أو دين وبتبريرات لا تمت للإسلام والمسلمين بصلة.
فالمتابع لكل هذا يجد أن يومًا بعد يوم يثبت تنظيم داعش أن فكره إجرامي، وعنوانه قتل، الذي يتفرّد به يفوق كل تصور ويخرج عن أي تعاليم تنتمي للدين الإسلامي بصلة أو للتقاليد والأعراف السائدة في العالم أجمع وليس العربي والإسلامي.
هذا الإجرام لم يقف عند قتل المدنيين وتشريدهم واستعبادهم وبيعهم كسبايا أو استغلال الأطفال وتجنيدهم وإدخالهم في أبشع الجرائم.
لكن هذه الجرائم وصلت إلى مرحلة أخرى مع استهداف التنظيم للمساجد ودور العبادة في دول متخلفة دون مراعاة لحرمة أو دين وهو التنظيم الذي يتغنى بنصرته للإسلام والمسلمين ولكن وفق هواه ووفق شريعته ووفق خرافاته ووفق رغباته البغيضة، فالتطرف الإرهابي بات يتطور بشكل يهدد فيه مستقبل الشعوب والدول والحضارة الإنسانية عمومًا، التنظيم الداعشي المتطرف، لا يختلف عن سابقيه من التنظيمات الإرهابية، ممن عرفناهم في مجتمعاتنا، فما نشاهده هذه الأيام، من حالات القتل والسحل والتنكيل بشتى أنواعه والتهجير القسري والتصليب، والتفجير وانتهاك حرمات المساجد، لا يمكن استيعاب دلالته إلا من خلال الاطلاع على فكر هذا التنظيم الإرهابي بحق، خاصة في مسألة التكفير، وهي مسألة عقدية من مسائل عديدة أخرى لا تقل أهمية عنها، ليتبين لنا حجم ضحالة تلك الجماعة بحق، أعتقد أن الأمر لا يحتاج لكثير من التفكير فما نشاهده كل يوم على شاشات التلفاز وفي نشرات الأخبار من مجازر همجية وتقطيع للأعناق باسم الدين والدين من كل ذلك براء، يثبت لنا أيضًا دنو وقبح واجرام هذه الجماعة، والمهم أيضًا أن الخطر الداعشي يجب التصدي له والوقوف ضده من قبل كل أطياف المجتمع فعملهم لا ينسب لدين، ولا يختص بقوم، وهو ناتج عن التطرف الذي لا يكاد يخلو من أفكار هدامة وأفعال شنيعة ونتنه، وهو العدوان الذي يمارسه أفراد هذا التنظيم بغيًا على الإنسان (دينه ودمه وعقله وماله وعرضه) ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة، وإخافة السبيل، وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذًا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، وكما يعمل على إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر، كما الضرر الأكبر والأسوأ في تاريخ البشرية وهو الاعتداء على دور العبادة، أنه إرهاب طغاة يغتصبون الأوطان ويهدرون كرامة الإِنسان، ويدنسون المقدسات وينهبون الثروات، فقال تعالى في وصفهم: {وإذا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}.
حمى الله هذا الوطن بمقدساته وولاة أمره وشعبه ودام الله عليه الأمن والأمان.