الكنيسة الأرثوذوكسية تتحالف مع المسلمين الروس لافتتاح بنوك إسلامية ">
الجزيرة - محمد السهلي:
حصلت صناعة المال الإسلامية على حليف غير متوقع عندما أكدت الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية إنها تعمل مع البرلمان وتجري مشاورات مع خبراء في محاولة لتطوير نظام تمويل يتجنب سعر الفائدة. وتأتي تصريحات الكنيسة في أعقاب رفض وزارة المالية الروسية مؤخراً مسودة قانون من شأنه أن يمهد السيبيل أمام إقرار نظام تمويل بديل يشتمل على معاملات تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية.
وبحسب تقرير بلومبرج، فأن الكنيسة الأرثوذوكسية، التي يعود تاريخها لأكثر من 500 عام، تمثل الديانة السائدة في روسيا البالغ تعداد سكانها 142 مليون نسمة. لكن ما يقدر بنحو 20 مليون مسلم يعيشون في هذا البلد ويعدون مصدراً محتملاً للأموال إلى جانب الصناديق الإسلامية الغنية بالسيولة في الخارج. ويشكل المسلمون الديانة الثانية في روسيا بعد المسيحية الأرثوذكسية، وتتراوح نسبتهم ما بين 7 إلى عشرة في المائة من السكان، ويغلب الإسلام على مناطق واسعة بروسيا، بينها تتارستان ومناطق القوقاز.
وقال عماد مستقي المحلل الإستراتيجي في شركة «إكسترات ليميتيد» والمتخصصة في تقديم الاستشارات المتعلقة بالأسواق الناشئة: إن الأسس الأخلاقية للتمويل الإسلامي الصحيح سيجذب الكنيسة الأرثوذوكسية.. وأضاف مستقي إنه ومع استمرار العقوبات الغربية على موسكو، فإن استغلال رأس المال الإسلامي البالغ قيمته 1.3 تريليونات دولار قد أصبح يروق لموسكو على نحو متزايد.
يُشار إلى أن الكنيسة الأرثوذوكسية الروسية هي جزء من لجنة الأسواق المالية التي تتفاوض حول التغييرات القانونية.
من جهته، أفاد تيودور كاراسيك المحلل الجيوسياسي المستقبل المقيم في دبي بأن الكنيسة تمثل قوى سياسية هائلة في روسيا، مردفاً: يبين هذا أن الكنيسة تتبنى نهجاً متسامحاًَ مع هذا النوع من التمويل.
دعم البنك الإسلامي للتنمية
وفي الطار ذاته، قالت وكالة أنباء روسية إن العام الجاري قد يشهد افتتاح أول مصرف إسلامي في تاريخ البلاد، مشيرة إلى أن العمل جارٍ حالياً لتحديد مكان عمله وطريقة تأسيسه. وقالت وكالة «آسيا نيوز»: إن النقاش يدور حول المفاضلة بين تأسيس بنك جديد أو افتتاح فرع إسلامي لبنك قائم حالياً، ونقلت عن موقع «Banki» الروسي قوله إن المصرف الجديد سيحظى بدعم من البنك الإسلامي للتنمية.
وبحسب أناتولي أكساكوف، رئيس رابطة البنوك الإقليمية في روسيا، فإن البنك سيعمل انطلاقاً من جمهورية تتارستان التابعة للاتحاد الروسي، والتي تقطنها غالبية روسية مسلمة. وبحسب الوكالة، فإن المشروع سيتطلب تعديلات في القوانين الروسية، مضيفة: إن تلك التعديلات باتت جاهزة بالفعل وستطرح للنقاش قريباً.
البنوك الروسية وتطوير خبراتها
تطور بنوك روسية خبراتها في التمويل الإسلامي للمساعدة في توسيع مصادر التمويل للشركات المحلية برغم أن تلك الجهود قد تعرقلها العقوبات الغربية بسبب أزمة أوكرانيا فضلاً عن عدم وجود إطار تنظيمي للقطاع.. ولايزال قطاع البنوك الإسلامية في روسيا في مهده.
لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يسعيان لقطع التمويل الخارجي عن الشركات الروسية بسبب دعم موسكو للمتمردين في شرق أوكرانيا.. وتخشى البنوك في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا -الأسواق الرئيسية للأدوات الموافقة للشريعة الإسلامية- أن تطالها العقوبات.. ولذا تحاول بعض البنوك الروسية بناء خبراتها الخاصة في مجال التمويل الإسلامي.
وقال متحدث باسم مصرف فنيش إيكونوم بنك وهو بنك حكومي للتنمية استهدفته العقوبات إن البنك يسعى للحصول على المساعدة من شركات بالشرق الأوسط لتطوير خبراته في قطاع التمويل الإسلامي.. لكنه لم يذكر أسماء شركات. وأضاف: فنيش إيكونوم بنك يهدف لتنويع أدوات تمويل المشروعات ويدرس من بين ذلك أدوات التمويل الإسلامي.
وقال بنك في.تي.بي ثاني أكبر بنك روسي والذي استهدفته العقوبات أيضاً لرويترز ردا على أسئلة إن البنك يبحث صفقات صكوك لعدد من عملائه برغم أنه لا تزال هناك بعض التساؤلات بشأن طريقة التعامل مع مثل تلك المعاملات محاسبياً.
وفي ديسمبر كانون الأول شارك مسؤولون من مؤسسات منها بنك موسكو الصناعي وفنيش إيكونوم بنك وإس.إم.إي بنك والصندوق الروسي للاستثمار المباشر في مهمة تجارية إلى منطقة الخليج حيث شملت المناقشات قضية التمويل الإسلامي.
وخلال الشهر نفسه وقعت الوكالة الوطنية للتصنيف الروسية اتفاقاً مع الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف ومقرها البحرين للاشتراك معاً في إعداد تصنيفات لمنتجات مالية إسلامية. وقالت الوكالة الروسية في بيان إن هذا سيسمح بإعداد تصنيفات مميزة موافقة للشريعة الإسلامية للديون السيادية والمؤسسات المالية الإسلامية.
وحصلت شركات منها شركة للتأجير الإسلامي في جمهورية داغستان التابعة للاتحاد الروسي وشركة لتصنيع المنتجات الجلدية من جلود الأسماك في جمهورية الانجوش -التابعة أيضا للاتحاد الروسي- على هذه التصنيفات في الماضي.. غير أن الافتقار إلى إطار عمل تنظيمي روسي للتمويل الإسلامي يمثل عقبة، حيث يعتمد أصحاب الإصدارات والمستثمرون على القواعد التنظيمية الواضحة لخفض المخاطر والتكاليف.
وحتى في غياب الإطار التنظيمي شهد القطاع المصرفي الروسي بعض صفقات التمويل الإسلامي على نطاق صغير.. فقد جمع بنك ايه.كيه بي.إيه.آر.إس ومقره كازان ويأتي في المرتبة الثامنة عشر بين أكبر بنوك روسيا من حيث الأصول 160 مليون دولار إجمالاً من خلال قرضين إسلاميين مجمعين منذ العام 2011 ولا يمانع في الاستفادة من السوق مجدداً.
وقالت إيلينا خيرولينا المسؤولة في البنك: سنواصل العمل في هذا الاتجاه لنزيد من تنويع تمويلنا.
وأضافت أنه سيكون من الضروري إصدار صكوك من حكومة محلية أو إقليمية لتشجيع الشركات الروسية على الإصدار. وقالت: بوجه عام ربما تكون الصكوك خيارا للشركات الروسية نظراً لوجود معيار قياسي على مستوى الدولة أو الإقليم.