تشريع قوانين بمهنة «الفُتيا المصرفية» تبدأ بالمكافأة.. وتنتهي بالسجن في حالة المخالفة ">
الجزيرة - الرياض:
فاجأت ماليزيا صناعة المال الإسلامية عندما كشفت النقاب عن قوانين وتشريعات صارمة متعلقة بمهنة «الفُتيا المصرفية» بحيث يتحمَّل الفقهاء مسؤولية قانونية عن المنتجات المالية التي يقرونها، وقد يحكم عليهم بدفع غرامة أو السجن في حالة ارتكاب مخالفات.
ومن شأن تلك التشريعات أن تعزز من قوانين الامتثال والحوكمة الحميدة وتساهم في توحيد المعاير الشريعية. وبحسب قانون «الخدمات المالية الإسلامية» فإن عقوبة السجن لمدة 8 سنوات قد تطال فقهاء الصيرفة أو حتى تغريمهم بمبالغ طائلة تصل إلى 7.6 مليون دولار، وذلك في حالة فشلهم في الامتثال لقوانين البنك المركزي الماليزي.
يُعلق على ذلك «لي هيشمانودين» من شركة المحاماة (الين وجليدهيل) بقوله: «إن هذه هي المرة الأولى التي يُعلن فيها بشكل علني أن فقهاء الصيرفة سيتم محاسبتهم».
وأنشأت ماليزيا نظاماً قضائياً في التسعينيات من أجل تجنب الخلافات حول أساليب التمويل المتوافقة مع الشريعة. وبحسب وكالة بلومبرج، فإن بعض البنوك تعيّن بعض الفقهاء المصرفيين الذين ليس لديهم معرفة وافية عن المنتجات المالية.
يُعلق على ذلك سعيد بوهيراوى، فقيه مصرفي لدى بنك افين الإسلامي، وذلك بقوله: «إنها خطوة حميدة في إطار التشديد على محاسبة الهيئات الشرعية».. وأضاف: «تتم محاسبة الطبيب في حالة قيامه بمخالفة أساسيات بمهنة الطب وعليه فنفس الشيء يحدث لفقهاء الصيرفة».
ويتساءل المراقبون في إذا ما كان هذا القانون يشدد على ضرورة انخراط الفقهاء في دورات تدريبية أو إعادة تدريبهم.
يقول محمد أكرم لادن، عضو الهيئة الشرعية لدى البنك المركزي الماليزي: «ستساهم التنظيمات الجديدة في رفع كفاءة ومعايير الخدمات الاستشارية المقدمة من الفقهاء الشرعيين».. وتابع:»سيكون الناس مدركين جيداً لمسئولياتهم، وهذا يعني أنهم سيفكرون مرتين قبل أن يُوقّعوا على أي شيء (يقصد الفتاوى المصرفية)».
مبادرات
وبمبادرة ماليزيا الإصلاحية، يبدو أن كوالالمبور تقود صناعة الصيرفة إلى «أفضل الممارسات».. وبالرغم من عدم تسليط الإعلام على الجوانب السلبية في الصناعة، فلا يزال بعض المراقبين يدقون جرس الخطر على بعض التصرفات غير المهنية، وذلك في محاولة منهم لتقويم مسار الاعوجاجات التي بدأت تظهر من بعض المجالس الشرعية لفقهاء البنوك.
وفي خطوة يُرجى من ورائها معالجة المخاوف التي بدأت تظهر على «نزاهة هؤلاء الفقهاء»، وذلك على حد وصف مجلة «آي إف إن»، خرجت في الآونة الأخيرة عدة مبادرات.
فقد بدأ مجموعة من الفقهاء الإعداد لأول شهادة تُوثق حاملها على أنه خبير بالشريعة على حد وصفهم.. وتهدف هذه المبادرة إلى تدعيم سمعة الصناعة وتسهيل الحصول على مستشارين شرعيين مؤهلين.
وساهم عدم وجود إطار عام لتوحيد المعايير بين الفقهاء في إحداث «ربكه»، وذلك بسبب غياب الإرشادات المهنية الموحدة ذات الجانب الأخلاقي.
وعلى الجانب الآخر بعض المؤسسات تتبع حوكمة شرعية متينة ويقود ذلك إلى تقديم شرح مفصل للفقهاء حول تفاصيل المنتج.. وبخلاف زيادة مستوى الشفافية، سيجلب تواجد معايير الحوكمة هذه نوعاً من الطمأنينة والثقة للعاملين بهذه الصناعة.
أولى هذه المبادرات جاءت عن طريق منظمة المستشارين الشرعيين في المالية الإسلامية (ASAS ) والتي أعلنت عن خططها في تطوير خليط من المعايير الأخلاقية واختبار الكفاءات لفقهاء البنوك.. وتبع هذه المبادرة مبادرة الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية (ISRA) المعهد الإسلامي للتدريب والبحوث (IRTI) وتتبع «إرتي» مجموعة البنك الإسلامي للتنمية.
وتدور هذه المبادرة حول نيتها في تجديد جهودها الرامية إلى إيجاد ميثاق شرفي مهني للفقهاء، وكذلك توحيد جهودها المتعلقة بنظام شرعنة معايير العمل للفقهاء.
وتأمل «إسرا» أن تقنن هذه المبادرة ما يُعرف بتضارب المصالح بين فقهاء المصارف، وتأمل كذلك في أن يحوز ميثاق الشرف المهني للفقهاء على دعم واعتماد من البنوك المركزية والجهات التنظيمية.
ويتمحور الهدف النهائي في إصدار رخص للفقهاء الذين يمتثلون لميثاق الشرف المهني.
واهتزت سمعة الفقهاء في 2011 بعد الجدل حول إجازة بعضهم من عدمها لصكوك بنك «جولدمان ساكس» الأمريكي.. حينها أكد محمد الخنيفر، خبير مالية إسلامي، في حينها بوجود ما وصفه بـ»فجوات» في النظام الحالي لعمل فقهاء المصارف والذي نجم عنه تباينٌ في الفُتيا.
وأشار الخنيفر إلى أن التشوهات في النظام الحالي (يقصد النظام المالي الإسلامي) أصبحت «واضحة لأولئك الذين يعملون بداخله»، ومشدداً في نفس الوقت على أن هناك «حاجة ماسة لإصلاح الصناعة واستعادة مصداقية ما يمكن أن يطلق عليه «منتج إسلامي».
وكان الخنيفر، الذي يعمل حالياً لصالح مؤسسة دولية متعددة الأطراف، قد ظهر بصحبة فقيهين مرموقين بإحدى وسائل الإعلام الماليزية.. وأوضح في مقابلته مع مجلة «إسلاميك فاينانس نيوز» أن فقهاء المصارف «يمرون بضغوطات كبيرة من قبل العامة، وذلك من أجل تمحيص كل صفقة وكل هذه التوجهات تقودنا للطريق الصحيح».
ويُحذر الخنيفر في مقابلته التي لا تخلو من الصراحة مع الإعلام الماليزي: «عندما نشاهد فقيهاً ذائع الصيت يقوم بإجازة الصكوك المقترحة لبنك جولدمان ساكس الأمريكي، ومن ثم يعلن نفس الفقيه في مجلس شرعي آخر أن هذه الصكوك محرمة، حينها تعرف أن هناك خطْباً ما في صناعتنا.. إن هذا لهو خير مثال على تضارب المصالح وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على سمعة الفقهاء، مما يؤدي إلى تبعات سلبية على الجهات التي ترغب بإصدار الصكوك».
تضارب المصالح
ويقصد بتضارب المصالح عدما يجلس الفقيه المصرفي الواحد مع عدة هيئات شرعية، مما قد يُؤدي إلى تسريب بعض المعلومات الخاصة بمنتجات أو حتى ظهور فتاوى متضاربة (على نفس القضية) من نفس الفقيه.
يقول الفقيه الماليزي محمد أكرم لادن، المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية (ISRA) إن هناك مشكلة في الحوكمة، وذلك بسبب توسع الصناعة».. ويضيف: «هل بإمكاني أن أحصل على أسهم لدى مؤسسة مصرفية أقدم الاستشارات الشرعية لها؟.. هل هناك تضارب مصالح هنا؟.. وإذا كنت من ضمن الهيئة الشرعية ووجب عليّ أن أجيز بعض الهياكل (لمنتجات مصرفية)، وذلك لصالح مؤسسة مالية أملك أسهماً بها، فهل هذا يعني أنه سيكون لدي تحيز إيجابي معها؟»
وذهب أكرم إلى ما تطرق إليه الخنيفر حول التباين في الفتيا بقوله: «من شأن ذلك التحيز أن يجعلنا نتساءل عن آثار وجود الفقهاء بعدة مجالس شرعية، وهذا ما ينتج عنه فتاوى متضاربة أو متحيزة وفقاً لمصالح الفقهاء وليس الصناعة».