الحضارة الإسلامية تراث عالمي أسهمت في رقي البشرية ونشر إشعاعها، والخط العربي مظهر بارز من مظاهر تلك الحضارة لعب دوراً فعّالاً فيها حيث أصبح فناً قائماً بذاته.

وعرف الخط العربي بقيمه الجمالية وخصائصه الفنية ومكانته البارزة، وله مكانة مرموقة، فهو وجه أصيل في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، حيث كان له دور مهم فيها ووصل إلى قمة الازدهار خلال العصر العباسي والفاطمي والمملوكي وأواخر عهد العثمانيين - ومن يلق نظرة على مصاحف القرآن الكريم وكتب الحديث والفقه والأدب، يلمس ويرى عظمة تلك الخطوط وتجويد الخط وتلوينه وتذهيبه، فكانت قمة في الجمال وحسن الأداء والدقة والعناية - ولكم شاهدت في بلاد المغرب العربي والأندلس واستانبول ألواناً رائعة من الخطوط والزخارف والنقوش على المحاريب، وأبواب المساجد والقصور وجدران المباني ودور العلم والمكتبات، ولقد مهر الخطاطون المسلمون من أمثال: ابن مقلة، وابن البواب، وياقوت المستعصمي، وغيرهم في حسن الخط.

وإن من يلق نظرة سريعة على بعض موسوعات التراث وما كتبه أسلافنا يجد دلالة على ثراء هذا الفن وما احتوته من خطوط في غاية الروعة والجمال، ولقد شاهدت في كثير من المكتبات والمتاحف في إسبانيا ولندن ومكتبة الكونجرس والمغرب العربي عدداً من الكتب والمصاحف والمخطوطات، كتبت بخط جميل واشتملت على إبداع فائق من حيث التصميم وتناسق الألوان، ومن هنا فإن الخط العربي أداة للتعبير الفني ووسيلة للتعبير الجمالي، وهناك خطوط متعددة كالنسخ والثلث والرقعة والديواني والفارسي والكوفي وغيرها مما تطور مع الزمن، فكان للخط منزلة كبيرة في تاريخ الحضارة الإسلامية، ولقد اشتغل بتجويد الخط الكثير من العلماء والأدباء وأسهموا في تطوير الخط وتنوّع أساليبه والرقي به إلى منزلة رفيعة ومكانة متميزة مرموقة، ولكن أسهم الخطاطون مساهمة فعّالة واضحة في حفظ التراث الإسلامي وفي ذلك يقول الشاعر:

الخط يبقى زماناً بعد صاحبه

وصاحب الخط تحت الأرض مدفون

وكم هو جميل أن نعنى بالخط والاهتمام به والحفاظ عليه مع مراعاة الالتزام بقواعد الخط والإملاء واللغة وتنقيط الحروف ووضع الهمزات في موضعها الصحيح وتوعية الناشئة بذلك في المنزل والمدرسة، وإسناد هذه المادة الحيوية إلى الأساتذة المتمكنين منها لإيجاد الاهتمام والتفاعل المثمر والعناية بذلك، فالخط من أرقى الفنون، وينبغي أن نعمل على الرقي بمستواه وحسن أدائه إلى الذروة والإبداع وأن نلم بعناصره ومفاهيمه وأساليبه وإثارة انتباه الشباب إلى هذا الميدان الرحب والفن الثري ومواصلة دراسته وسد الفجوة التي نلاحظها اليوم في قلة الإجادة لهذا الفن باعتباره عنصراً جوهرياً وفناً رائعاً ومظهراً من مظاهر تراثنا وحضارتنا الإسلامية المجيدة.