إبراهيم الطاسان ">
المبادئ والقيم «الخيرة والهدامة» أصول تتنازعها طبيعة النفوس البشرية. وكل نفس محكومة بسجيتها. فالنفوس الخيرة محكومة بسجيتها بالنزوع نحو القيم والمبادئ السامية. والنفوس الشريرة محكومة بسجيتها بالنزوع نحو القيم والمبادئ الهدامة، وعلى أي من السجايا تتربى وتنشأ الأجيال، والتاريخ لا يعيد نفسه كدورة فلكية خاضعة للناموس الذي أودعوه الله فيه. إنما يعيد نفسه بسجايا محركي أحداثه ووقائعه. حينما قامت ثورة 21 سبتمبر عام 1962م باليمن «وبخلاف ما كتب من بعض الكاتبين عن تلك الفترة الزمنية، بأنّّ المملكة العربية السعودية تدخلت بشئونه» بخلاف الواقع. فالحقيقة والتي يدركها معاصرو تلك الفترة الزمنية. وثبتتها مطبوعات أطراف كانت على النقيض من موقف المملكة، ومنها جريدة الأهرام التي اتخذ منها هيكل منبراً أسماه بصراحة وهو في مضمونه «بصلافة» «تجسّدت بلسان المذيع المندثر: أحمد سعيد» ويمكن للمشكك الرجوع لمؤلف الأستاذ أمين السعيد تاريخ المملكة في عهد الملك سعود بن عبد العزيز سيجد بين طياته جلاء لا يشوبه شائبة من الشك، أنّ الأهرام في حينها وثقت من حيث لا تريد، أنّ المملكة لم تتدخل بالشأن الداخلي لليمن. وحينما تجحفل الجيش المصري بمختلف قطاعاته العسكرية في اليمن، ونال من أمن المملكة بضرب حدودها الجنوبية ومستشفى مدينة أبها البهية رغم معاهدة أمن جدة، الموقع في 21-4-1956م بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية، والمملكة المتوكلية اليمنية. لم يتجاوز دعمها للمناهضين للتدخل المصري الدعم المالي، ولم تقدم قطعة سلاح واحدة، أو تطأ قدم جندي من جنودها أرض اليمن. وهي المعاهدة التي اتكأ عليها عبد الناصر بدفع قواته لليمن. فقد كان موقفها قبل تدخل عبد الناصر موقف الناصح لليمنيين في شمال اليمن، وبترك اليمن لليمنيين. ليمارسوا العقل والحكمة اليمانية بحل الخلاف بالطريقة التي يرتضوها فيما بينهم. وحينما استنصر فريق بالتدخل الخارجي. كانت مبادئ وقيم العدل منسجمة مع سجية قادة المملكة العربية السعودية. فلم ترض ظلم طرف بتدخل طرف خارجي مع طرف ضد آخر. فكان موقفها مناصراً لطرف الإمام آنذاك بالدعم المالي دون سواه. لا إيماناً منها بسلامة موقف أي من الطرفين فيما اختلفوا عليه بينهم. إنما إيماناً منها أنه لا يمكن تحقيق العدل بين الأطراف بشهادة زور. «التدخل الخارجي»، وقد صادق التاريخ والوقائع والواقع معاً، على صحة المبدأ السعودي الموقفنفسه. فحال انسحاب الجيش المصري على أثر نكبة العام 1967م. وترك اليمن لليمنيين، اجتمع اليمنيون وهم خصوم بعضهم البعض وسووا خصوماتهم فيما بينهم، واصطلحوا على ما اصطلحوا عليه في ذلك الوقت الذي كانت فيه المملكة العربية السعودية تقف بجانب الموصوفين بالإمامية، ضد التدخل الخارجي المتمثل بجحافل جمال عبد الناصر بجانب ثوار عام 1962م. ها هي تثبت أنها دولة مبادئ راسخة تنسجم طبائع نفوس قياداتها مع مبادئها وقيمها الخيرة، حينما أدركت أنّ اليمن البلد العربي الشقيق الجار يضام بجور، وطمع نفوس منسجمة مع مبادئ وقيم هدامة ببيع البلاد والعباد وتقديم دماء اليمنيين قرباناً لمن يدعي حقاً إلهياً عنصرياً مزعوماً بالزعامة السياسية والدينية، ما أنزل الله بها من سلطان من قبل ثلة متواضعة العدة والتعداد باعت اليمن للفرس، مقابل دعم بالمال والسلاح لتحقيق غايات إمامة مهترئة داخل أراشيف الفكر والتفكير، لم تستذكر المملكة العربية السعودية تاريخ مواقفها آنذاك بتقليب أوراق التاريخ لاستعادة الموقف الذي كان أو تتشنج رؤيتها لمواقفها السابقة، بل عمل قادتها بسجية النفوس الخيرة التي ورثها لهم روادهم الأوائل بالوقف إلى جانب الحق، ونصرة المظلوم، وقفت اليوم موقف الضد من موقفها مع من كانوا مظلومين وحينما جانبوا الصواب جانبتهم، وهذا الموقف أصدق مثال على أن التاريخ يعيد نفسه بسجايا نفوس محركي أحداثه.