م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني ">
كلما قرأت قول الله تعالى في محكم التنزيل: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} (10) سورة ق، تراءى أمامي ذلك المشهد المحلِّق في الخيال لقامات النخيل وجذوعها الباسقة في عنان السماء لا نكاد نرى أعلاها تنتج ثمراً لذيذاً أتحدى كل مصانع الحلوى أن تنتج مثله، ننظر أسفل النخلة فلا نرى إلا تراباً ونرتفع لمشاهدة جذع النخلة فلا نرى إلا خشباً يابساً يشبه الصخر الجلمد، نرفع رؤوسنا للأعلى فنرى هذا الوصف القرآني العظيم ذلك الطلع النضيد المنتظم بتناسق عجيب، وهذا الثمر الزاهي الألوان في موسم الرطب على القنوان بألوانه المتنوعة من أصفر كالذهب وأحمر كالياقوت وأخضر كالزمرد!!
في جنوب مدينة بريدة حيث حقول نخيل (الصباخ) والتي تُشكِّل بستاناً متكاملاً من النخيل الباسقة على مر السنين، حيث كانت هذه الحقول تنتج تمراً وفيراً يموِّن جيوش توحيد المملكة، إبان معارك التوحيد على عهد الملك عبد العزيز، وفي هذه السنوات بدأت هذه البساتين تُشكِّل نواة للتحول إلى (اقتصاد التمر)، ففي وسط هذه الحقول شُيدت (أكبر مدينة للتمور في العالم) تشهد في مواسم جني التمر ما يشبه المؤتمر العالمي والكرنفال الفريد لبيع التمور من خلال مدينة ضخمة يقصدها يومياً ما يزيد على 5000 سيارة تحمل أطناناً من التمور التي تُجنى من الحقول في اليوم السابق، لتباع في مزادات علنية يقصدها مستهلكو التمر من مختلف الدول، وبخاصة دول الخليج العربي، وهذا الكرنفال العالمي (مهرجان تمور بريدة) يمكننا من التفكير في بناء اقتصاد قوي يعتمد على منتجات النخيل، بل وحتى تحويلها إلى محصول قومي يصدر للخارج، حيث إن بلادنا هي التي منحها الله ميزة النمو الإنتاجي للنخلة، ولكننا لم نستغل هذه الميزة الربانية التي منحها الله لبلادنا، وبدأنا نحارب زراعة النخيل بحجة أنها تستنزف المياه، ونسينا أن الذي يستنزف المياه هو رشاشات الري المحوري التي تهدر في الصحارى لزراعة أعلاف لقطعان الإبل التي تشارك في المزاين، هل رأيتم نخلا يُسقى بالرشاشات، النخلة لا تحتاج إلا إلى كمية قليلة من المياه، بل نراها في المدينة المنورة مدينة رسول الله في حقول شاسعة وإنتاج وفير، ولا تُسقى من أي مياه جوفية، حيث تقع المدينة المنورة على الدرع العربي، فمن أين تستنزف المياه؟!!
لا تحتاج النخلة ماءً عذباً، بل قليلاً من المياه حتى وإن كانت بدرجة ملوحة عالية، ودليل ذلك أننا نراها تعيش في السباخ المالحة، ولا يبقى إلا هي مقاومة للتملُّح والتصحُّر!!
إنني أثق لو كان هناك دولة لديها هذه العوامل البيئية لنجاح زراعة النخلة، لجعلوا منها محصولاً قومياً.. ألا تلاحظون أن إسبانيا مثلاً جعلت من كل إسبانيا حقلاً للزيتون وزرعته في كل الصحارى وسفوح الجبال!!
نحن شعارنا الأخضر هو النخلة ويجب أن يوضع خطة يتبناها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية تتمثّل في وضع برنامج لزراعة النخيل وتسويق إنتاجها عالمياً وأن تزرع في صحارينا الشاسعة التي ترحب بالنخلة لأنها وجدت لزراعتها.
يمكن أن تكون حقول النخيل داعمة لحقول النفط إذا وضعت هذه الخطة لإنتاج التمور وتسويقها وإنشاء معامل ومصانع للصناعات التحويلية التي تعتمد على التمور وسعف النخيل وجذوعها!!
وأقترح أن تُوضع خطة لزراعة 100 مليون نخلة على مدى 10 سنوات توزع على مناطق المملكة كالرياض والقصيم والمدينة المنورة والأحساء وبيشة والجوف.. وبحساب بسيط إذا افترضنا أن المردود الاستثماري للنخلة الواحدة سنوياً 1000 ريال، فمعنى ذلك دخل يساوي 100 مليار ريال يمكن أن يتم إنشاء شركات مساهمة تُعطى فيها الأولوية لصغار المزارعين ومنتجي التمور.
وأشيد هنا بمناداة سمو أمير منطقة القصيم الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بإنشاء شركات لتسويق التمور عالمياً، وهو من عرفَ القصيم ونخلها وعرفَ قيمتها الروحية والاقتصادية، فالنخلة هي قدرنا.