حمد بن عبدالعزيز الحميد ">
حين تجولت داخل مكتبة الجامعة في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي للبحث عن كتب حقوق الإنسان طبقاً لمواد الدراسات العليا، وصلتني الرسائل من أحد أصدقائي عن طريق التواصل الاجتماعي أن فوز الصم المرشحين في انتخابات الجمعية السعودية للإعاقة السمعية يوم الجمعة الماضي بشكل مفاجئ، وقد انتخبوا رئيسا وأعضاء مجلس الإدارة من جميع الصم فقط بعد تكاتف الصم الحاضرين في مقر الانتخابات وتعاونهم يجعل تحقيق حلمهم بالفوز في اللحظة الأخيرة، فذهل الكثير من الحاضرين والمرشحين. في الحقيقة أن هذا الفوز يعتبر إنجازاً تاريخياً غير مسبوق للصم في تاريخ المملكة.
جلست وسألت نفسي أن هذا المشهد لا يمكن أن يصدق الرواية، فالانتخابات الأخيرة ليست سهلة للصم بطبيعة الحال لأن الجمعية كانت تجري تحت الإدارة التنفيذية من الأشخاص السامعين، ويبدو أن بعضهم كانوا ينظرون إلى أن الصم غير قادرين على ذلك ويعملون بأي وسيلة من الوسائل الممكنة لمنع الصم من أصواتهم بحجة أنهم يجهلون بقيادة الإدارة. الرواية، حسب ما وصلني من أحد الحاضرين، تقول: إن الضغوط التي مارسها السامعون على الصم من أجل صوت للمرشحين السامعين فقط مما أدى إلى غضب الأشخاص الصم وتكاتف معهم بالصف الواحد ويصر إصراراً شديداً كي يحضر مقر الانتخابات. وفي الختام قد انتخبوا رئيساً وأعضاء مجلس الإدارة الجديد من الأشخاص الصم وضعاف السمع فقط دون أي مرشح سامع منهم لأول مرة في تاريخ الجمعية.
لا يخفى على الجميع أنني شديد الإعجاب بإصرار الأشخاص الصم على تأدية واجبهم الوطني ولا شك أن تشكيل مجلس إدارة الجميعة السعودية للإعاقة السمعية الجديد من الصم مؤشر واضح لمحاربة التلاعب وحماية حقوق الصم الإنسانية، وهذا دليل على إدراكهم بعد معاناتهم من التجاهل والتغافل منذ فترة ليست قصيرة، ينبغى على الجميع شكر وتقدير للرئيس السابق وإدارته على عملهم ودعمهم للصم ويذكر الحديث الشريف «من لم يشكر الناس لا يشكر الله».
إن نجاح الصم في الانتخابات الأخيرة لا يعني فشل الأشخاص السامعين ولكن من باب الإنصاف للجميع وإعطاء فرصة لهم متساوية، وليس من المنطق أن تكون السيطرة الكاملة على الجمعية من قبل الأشخاص السامعين فقط ويصنعون القرارات تؤثر على الأشخاص الصم، وهذا أمر غير مقبول من الجميع لأن هذه الجمعية خاصة بفئة الصم وضعاف السمع. أتفق أن الجمعية تحتاج للاستفادة من خبرات المتخصصين لتقديم ودعم للجمعية لأنها مفتوحة للجميع سواء أصم أو سامعا، ولكني لا أتفق تماماً أن يكون رئيسا للجمعية شخص غير أصم.
من الجدير بالذكر أن الجمعية تستطيع الانضمام إلى الاتحاد العالمي للصم كعضو رسمي الآن بعد رفضه بشدة لأن رئيس الجمعية السابق غير أصم ومترجم وذلك يخالف قوانين الاتحاد العالمي للصم، ولا مانع من أن يكون أعضاء من الأشخاص السامعين في الجمعية بشرط أن يكون رئيساً للجميعة أصم والهدف من ذلك هو الاعتراف بإرادة الصم. إن المملكة وقعت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للأشخاص ذوي الإعاقة التي تنص «منع أي شخص مترجم أو سامع من أن يكون رئيساً أو يتقلد منصباً رفيعاً في الجمعية «وهذا النص واضح لا غبار عليه للمنع من التمييز ضد الصم، وكذلك القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد النساء والسعي لإدخال المرأة الصماء السعودية إلى مجلس إدارة الجمعية وفقاً لما تنص عليه القوانين الدولية التي انضمت المملكة إليها (سيداو). ويتفق الجميع على أن الجمعية تحتاج إلى إصلاحات جذرية والتطوير بيد الإدارة الجديدة.
لمن يعترض أو لا يتفق مع هذا المقال، فأقول: إن نجاح الصم في الانتخابات ليس مسألة نظرية وإنما واقع تسهم في المجتمع العام وطنياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وحتى المشاركة في صنع القرار عبر مؤسسات الدولة، ومجتمع الصم جزء لا يتجزأ من المجتمع العام وحماية حقوقهم واجب وطني وإنساني، كما أن احترام القوانين الخاصة بهم دليل على رقي المجتمع وتحضره وعدم انتهاك حقوق الصم أو تجاهل القوانين الخاصة بهم.