عبدالله بن مصلح القحطاني ">
عادة ما تتفاعل مواقع التواصل الاجتماعي عند وقوع حوادث مؤسفة أثناء تنفيذ بعض المشاريع الإنشائية أو مشاريع الصيانة، حيث يشترك رواد هذه المواقع في حوارات مستفيضة عن نتائج هذه الحوادث، وما صاحبها من وفيات وإصابات بشرية وخسائر مادية، إضافة إلى تعطيل هذه المشاريع وتأخير مواعيد تسليمها، وغالباً ما تخلص هذه الحوارات إلى أن إهمال مقاول المشروع كان السبب الرئيس في وقوع هذه الحوادث، سواء كانت انهيار سقف مبنى تحت الإنشاء، أو انفجار أنبوب نفط عند القيام بعمليات حفر، أو اشتعال حريق في برج شارف على الانتهاء، أو وقوع حادث مروري أثناء تنفيذ صيانة للطريق، وغير ذلك.
وبغض النظر عن دقة ما تتوصل إليه هذه الحوارات ومدى تطابقها مع نتائج التحقيقات التي تجريها الجهات المختصة، إلا أنها تؤكد على أن الحفاظ على أرواح المواطنين والمقيمين، وكذلك العاملين في هذه المشاريع يبقى أولوية قصوى للدولة والمجتمع.
إن النهضة المباركة التي تعيشها المملكة برعاية حكومتنا الرشيدة وما نشهده من مشاريع حضارية واعدة تستوجب الاهتمام برفع كفاءة تنفيذها، ولذا كان الإعلان عن رؤية خادم الحرمين الشريفين المستقبلية للجودة في 2020م «المملكة العربية السعودية بمنتجاتها وخدماتها معيارٌ عالميٌ للجودة والإتقان».. ضمن هذا السياق، تبذل وزارة الشؤون البلدية والقروية جهوداً ملموسة في تطبيق «نظام تصنيف المقاولين» الصادر بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م-18) وتاريخ 20-3-1427هـ لتقويم إمكانيات المقاول، المالية، والفنية، والإدارية، والتنفيذية وفقاً للمعلومات والبيانات الواردة من كافة الوزارات والمصالح والأجهزة العامة.
من جانب آخر، تحرص وزارة الداخلية ممثلة في المديرية العامة للدفاع المدني على إخضاع بيئات العمل في كافة المشاريع للإشراف الوقائي وتطبيق اشتراطات السلامة عليها وفقاً للائحة «قواعد السلامة الواجب اتباعها في مواقع الإنشاءات» والتي نصّت في مادتها السابعة على أن تهاون صاحب العمل أو إهماله في تطبيق هذه الاشتراطات يُعتبر إهمالاً جسيماً ويُعرّضه للعقوبات المنصوص عليها.
وهنا يتبين مدى التوافق بين ما تقوم به المديرية العامة للدفاع المدني على أرض الواقع وبين الجهود التي تبذلها وزارة الشؤون البلدية والقروية للارتقاء بمستوى المقاولين، فتقييم الأداء بناءً على التزام المقاول بمتطلبات السلامة وتجنب الوقوع في المخالفات يُعتبر معياراً ملائماً للحكم على مدى كفاءة المقاول وحسن تنفيذه للمشروع.. إن التزام المقاول بمتطلبات السلامة في بيئة العمل هو جزء أساس من التزامه بمعايير الجودة، وهو الأمر الذي سينعكس إيجاباً على مستوى التنفيذ، وعلى إنجاز المشروع في الوقت المقرر وبالتكلفة المحددة مع تجنب الحوادث التي قد تهدد المشروع أثناء تنفيذه.
إن من أهم الأسس التي يقوم عليها مفهوم الجودة هو التطوير المستمر للعمليات الإدارية، وقد راعى نظام «تصنيف المقاولين» في مادته الرابعة هذا الجانب من خلال منح وزير الشؤون البلدية والقروية بالتعاون مع وزيري المالية والاقتصاد والتخطيط صلاحية تعديل مجالات ودرجات التصنيف لمواكبة التغيرات المستقبلية.
وعليه، فقد يرى المشرفون على تطوير تصنيف المقاولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية ضرورة اقتراح تعديل طفيف على هذا النظام يراعي منح معايير السلامة العامة والمهنية وكذلك المرورية الوزن الذي تستحقه ضمن بقية معايير هذا النظام، بحيث تستقبل وزارة الشؤون البلدية والقروية بيانات رصد مخالفات السلامة من الجهات المعنية التابعة لوزارة الداخلية، حيث تتولى المديرية العامة للدفاع المدني رصد مخالفات السلامة العامة والسلامة المهنية، في حين تتولى الإدارة العامة للمرور وقيادة قوات أمن الطرق رصد مخالفات السلامة المرورية للمشاريع التي يتم تنفيذها على الطرق سواء داخل المدن وخارجها.
تجدر الإشارة هنا إلى تجربة رائدة وحديثة تستحق الإشادة تنفذها وزارة الحج بالتعاون مع عدة جهات حكومية ومنها المديرية العامة للدفاع المدني أثناء موسم الحج، حيث تتولى المديرية رصد مخالفات السلامة على الشركات المسؤولة عن خدمات الحجاج، وبموجب ذلك يتم حسم نقاط معينة من رصيدها.. وعند التعامل مع هذه الشركات في الأعوام التالية، يُؤخذ مجموع النقاط الذي تمتلكه في الاعتبار، وقد تفقد الشركات المخالفة الكثير من المميزات نتيجة ذلك.
لقد حددت لائحة نظام تصنيف المقاولين التنفيذية الصادرة بتاريخ 10-10-1431هـ أن المشاريع المحتسبة للمقاول تبقى خبرة له لمدة خمسة عشر عاماً من تاريخ توقيع العقد، وبالتالي فإن تضمين سجل خبرة المقاول مخالفات السلامة التي ضبطت بحقه وكذلك الحوادث التي ثبتت مسؤوليته عنها، سيعكس حقيقة كفاءة المقاول ومدى أهليته لإنجاز المشاريع الجديدة في المستقبل.
ماجستير هندسة السلامة والإطفاء - باحث دكتوراه في إدارة الأزمات والكوارث